شكرا لقرائتكم خبر عن النفط يرتفع لكنه يتكبد خسائر للشهر الثالث على التوالي والان مع بالتفاصيل
دبي - بسام راشد - أخبار الفوركس اليوم برزت ملامح صناعة الهيدروجين العالمية هذا الشهر خلال أسبوع الهيدروجين الأوروبي في بروكسل، خصوصًا من منظور الدول المستوردة.
وقد ساد شعور بالإحباط بسبب ما وصفه العديد من المشاركين بأنه إطار تنظيمي مفرط التعقيد يؤدي إلى تأخيرات في تنفيذ المشاريع، إلى جانب إحساس بالحتمية نظرًا لوجود تفويضات أوروبية ملزمة ومشاريع أنابيب نقل قيد التنفيذ، إذ تستعد أوروبا لتكون أكبر مركز طلب في العالم على الهيدروجين منخفض الكربون.
ورغم تزايد إلغاء المشاريع، بدت عزيمة واضحة لدى الصناعة للمضي قدمًا.
وقال يورغو تشاتزيماركيس، الرئيس التنفيذي لمجموعة Hydrogen Europe الصناعية التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها: "السياح غادروا"، في إشارة إلى انسحاب المشاريع الضعيفة من السوق، مؤكدًا الحاجة إلى قدر أكبر من الواقعية في السياسات، مثل فرض حد أدنى إلزامي من عقود الشراء المسبق للصناعات الكبرى.
وأوضح أن قطاع الهيدروجين يقف عند مفترق طرق، داعيًا إلى تخفيف القيود التنظيمية لتمكين سوق الهيدروجين النظيف من التبلور.
مشاريع وتقدّم
شهد المؤتمر استعراضًا لعدد من المشاريع الكبرى، أبرزها اتفاقية الشراء طويلة الأجل بين شركة الطاقة الألمانية RWE AG وشركة النفط الفرنسية TotalEnergies، والتي تقضي بنقل 30 ألف طن متري سنويًا من الهيدروجين الأخضر، يُنتج في منشأة التحليل الكهربائي بقدرة 300 ميغاواط في مدينة لينغن، إلى مصفاة توتال في ساكسونيا أنهالت عبر أنبوب يمتد 600 كيلومتر، ابتداءً من عام 2030.
كما تم استعراض تقدم مشروع ميناء روتردام، حيث تبني شل (Shell) محطة تحليل كهربائي بقدرة 200 ميغاواط لإنتاج نحو 22 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا، سيتم نقله عبر خط أنابيب جديد بطول 30 كيلومترًا إلى مجمع شل للطاقة والكيماويات في روتردام.
من جانبها، عرضت إيفانا ييميلكوفا، الرئيسة التنفيذية لـ Hydrogen Council — وهو تحالف صناعي يضم رؤساء شركات كبرى — نتائج تقرير Global Hydrogen Compass الذي أعدته المنظمة بالشراكة مع McKinsey & Company.
وبحسب التقرير، تجاوزت الاستثمارات الملتزم بها في الهيدروجين منخفض الكربون 110 مليارات دولار، أي بزيادة عشرة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية، مع نحو 500 مشروع وصل إلى مرحلة القرار الاستثماري النهائي أو دخل مرحلة الإنشاء أو التشغيل.
ويتوقع أن تدعم هذه المشاريع طاقة إنتاجية تتراوح بين 9 و14 مليون طن سنويًا من الهيدروجين النظيف بحلول عام 2030.
وتتصدر الصين القائمة باستثمارات قدرها 33 مليار دولار، تليها أميركا الشمالية بـ23 مليار دولار، ثم أوروبا بـ19 مليار دولار.
وقالت ييميلكوفا إن الصناعة "تخوض عملية بناء حقيقية"، مشيرة إلى أن 97% من الرؤساء التنفيذيين يعتبرون الهيدروجين عنصرًا رئيسيًا لخفض الانبعاثات في القطاعات الصناعية الصعبة التحول.
اللوائح وردود الفعل
قدّم ممثلون رفيعو المستوى من عُمان والهند عروضًا لبرامج بلدانهم الطموحة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، مؤكدين أن مشاريعهم تعتمد على الاستثمار المحلي وتنمية الأسواق الداخلية بهدف بناء صناعات تصديرية مستقبلية.
لكنهم أكدوا بصراحة أن الامتثال للوائح الأوروبية الحالية مستحيل، مطالبين بـ وضوح تنظيمي أكبر من بروكسل.
وتتمحور المشكلة الأساسية حول مصدر الكهرباء المستخدمة في عملية التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين النظيف.
فقد أصدرت المفوضية الأوروبية قواعد صارمة للغاية — بحسب رأي القطاع الصناعي — لتحديد ما يعتبر "وقودًا متجددًا من أصل غير بيولوجي" (RFNBO) ضمن توجيهات الطاقة المتجددة المعدلة (RED III).
وتنص الأهداف الأوروبية على أن 42% من الهيدروجين المستخدم في الصناعة بحلول 2030 يجب أن يكون من نوع RFNBO، لترتفع النسبة إلى 60% بحلول 2035.
وتتعلق القواعد بثلاثة مفاهيم أساسية:
- الإضافية (Additionality): أن تكون الكهرباء المتجددة المستخدمة في التحليل الكهربائي جديدة وليست محولة من منشآت قائمة.
- التزامن الزمني: أن يتم إنتاج الكهرباء والهيدروجين في غضون ساعة واحدة بدءًا من عام 2028.
- الارتباط الجغرافي: أن يُنتج الهيدروجين والكهرباء في المنطقة ذاتها.
وتنطبق هذه القواعد على الهيدروجين المنتج داخل أوروبا أو في الخارج والمُصدَّر إليها، وهو ما تعتبره الشركات غير عملي لأنه يرفع التكلفة الصناعية بشكل مصطنع.
وتطالب الشركات بتأجيل تطبيق معايير الإضافية والتزامن الزمني حتى تتمكن من تطوير نماذج عمل قابلة للاستمرار.
أما على مستوى الدول الأعضاء، فالوضع أكثر تعقيدًا، إذ تتولى الحكومات الوطنية تطبيق توجيهات RED III عبر حوافزها وبناها التحتية وأطرها التنظيمية الخاصة، وتشرف على شهادات اعتماد الهيدروجين الأخضر المرفوعة إلى بروكسل — وهي عملية بطيئة للغاية أثارت إحباط الشركات.
وقال فيرنر بونيكوار، الرئيس التنفيذي لشركة thyssenkrupp nucera، المتخصصة في معدات التحليل الكهربائي: “الصناعة بحاجة إلى وضوح لتتمكن من التخطيط. ما نحتاجه من بروكسل هو بيئة تنظيمية واضحة تتيح العمل لا تعرقله.”
بناء العمود الفقري
قدمت توجيهات RED III الأوروبية حصصًا إلزامية للهيدروجين المتجدد، إذ يتعين على الدول الأعضاء إدماج النسبة المستهدفة البالغة 42% في الخطط الوطنية للطاقة والمناخ.
كما تشمل اللوائح حصصًا لقطاعي النقل والطيران لخلق طلب على الهيدروجين ومشتقاته والوقود الصناعي التركيبي القائم عليه.
في قطاع النقل، يُطلب من الدول خفض كثافة الانبعاثات في الوقود أو ضمان أن 29% من إجمالي استهلاك الطاقة في القطاع يأتي من مصادر متجددة، مع أهداف فرعية للهيدروجين والوقود الحيوي والوقود الصناعي.
أما في قطاع الطيران، فهناك حد أدنى إلزامي للوقود المستدام يصل إلى 34% بحلول 2040، منها حصص مخصصة للوقود الصناعي المشتق من الهيدروجين.
وفي حين لا تُفرض التزامات مباشرة على القطاع البحري، فإنه يخضع لنظام تداول الانبعاثات الأوروبي (ETS).
وتدفع هذه الالتزامات إلى تسريع تطوير البنية التحتية المتوسطة (midstream)، إذ حدد الاتحاد الأوروبي خمسة ممرات رئيسية لإمداد الهيدروجين عبر أنابيب جديدة أو إعادة استخدام خطوط الغاز الحالية، لتكوين سوق سلعية متكاملة للهيدروجين في أوروبا، تتوسطها ألمانيا.
ويُعد الأنبوب البالغ طوله 600 كيلومتر بين RWE وتوتال إنرجيز جزءًا من ممر بحر الشمال الجاري إنشاؤه، والذي سيكون من الروابط الأولى في شبكة الهيدروجين الألمانية الجديدة، على أن يتصل لاحقًا بالشبكة الهولندية الممتدة من روتردام.
عندما تصطف النجوم
قدّم مارتن تنغلر، رئيس أبحاث الهيدروجين في بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس (BNEF)، تحليلاً حول كيفية توسع السوق.
واستنادًا إلى قاعدة بيانات المشاريع التي تمتلك عقود شراء ملزمة، تتوقع بلومبرغ أن يصل العرض العالمي من الهيدروجين إلى 5.5 ملايين طن بحلول 2030، أي 20% فقط من الأهداف الوطنية المعلنة.
وحدّد تنغلر أربعة "نجوم" سياسية يجب أن تتكامل لدفع السوق إلى الأمام:
- التمويل: حيث يجب توجيه جزء أكبر من 270 مليار دولار من الإعانات الحكومية نحو تحفيز الطلب.
- حوافز الطلب: مثل العقود مقابل الفروقات (CfD) والحصص الإلزامية، التي لم تُفعّل بعد بالوتيرة المطلوبة.
- أسعار الكربون: وهي ضرورية لجعل الهيدروجين النظيف قادرًا على منافسة الهيدروجين الرمادي، إلا أن الأسعار الحالية منخفضة للغاية، ولن تؤثر بشكل ملموس قبل ثلاثينيات العقد الحالي.
- البنية التحتية المتوسطة: مثل الموانئ وخطوط الأنابيب اللازمة للنقل والتخزين، والتي تحتاج إلى دعم حكومي مستمر.
وأشار تنغلر إلى أن اتفاق RWE–TotalEnergies يمثل حالة مثالية لتكامل هذه العناصر الأربعة، إذ حصلت RWE على دعم حكومي ألماني بقيمة 690 مليون يورو، فيما تواجه توتال التزامات RED III وأسعار كربون مرتفعة في ألمانيا، ما جعلها تدفع سعرًا أعلى بكثير من تكلفة إنتاج الهيدروجين الرمادي.
كما ساهم تمويل الحكومة الألمانية لبناء البنية التحتية للأنابيب في تمكين الاتفاق.
المرونة كمحرّك للطلب
دار جزء كبير من النقاش حول دور الهيدروجين في تعزيز المرونة الاقتصادية، لا سيما في ظل تزايد الطلب على الطاقة من مراكز البيانات وتصاعد الاضطرابات الجيوسياسية.
وأُبرز الهيدروجين منخفض الكربون المنتج والمخزَّن داخل أوروبا كوقود استراتيجي للأمن الطاقي الأوروبي، ما دفع بعض الحكومات إلى التمسك بالحصص الإلزامية وتحمل تكاليف البنية التحتية لدعم هذا الوقود الناشئ.
وقد يصبح مفهوم “المرونة” محفزًا جديدًا للطلب، يضاف إلى منظومة الإعانات والتفويضات والحصص القائمة، مما قد يدفع أوروبا خطوة أقرب إلى تحقيق هدفها الكبير بتحويل الهيدروجين منخفض الكربون إلى سلعة متداولة تنافسية مدعومة بخفض المخاطر التنظيمية والتمويلية.
