اخبار الخليج

عبدالله بشارة يكشف لـ"الأيام" كواليس مجلس التعاون: من قمة الاحتلال إلى طموحات البحرين

  • عبدالله بشارة يكشف لـ"الأيام" كواليس مجلس التعاون: من قمة الاحتلال إلى طموحات البحرين 1/5
  • عبدالله بشارة يكشف لـ"الأيام" كواليس مجلس التعاون: من قمة الاحتلال إلى طموحات البحرين 2/5
  • عبدالله بشارة يكشف لـ"الأيام" كواليس مجلس التعاون: من قمة الاحتلال إلى طموحات البحرين 3/5
  • عبدالله بشارة يكشف لـ"الأيام" كواليس مجلس التعاون: من قمة الاحتلال إلى طموحات البحرين 4/5
  • عبدالله بشارة يكشف لـ"الأيام" كواليس مجلس التعاون: من قمة الاحتلال إلى طموحات البحرين 5/5

الرياص - اسماء السيد - -«قمة الانطلاق والاعتزاز» كانت الشرارة الأولى لمشروع خليجي آمن به زايد مبكرًا
- ثلاثة محظورات حكمت العمل: السيادة والحدود والسياسة الخارجية خطوط حمراء لا تُمس
-قمة الغزو العراقي للكويت كانت الأصعب... والقلق كان سيد الموقف داخل القاعة
- مجلس التعاون لم يولد صدفة... بل صاغه القادة بالإيمان قبل السياسة
-الدوحة احتضنت أطول قمة في التاريخ وأحزان الاحتلال خيّمت على المداولات
- الشيخ عيسى بن سلمان كان رصيدًا أخلاقيًا للبحرين واحترامه تجاوز الخليج
-الملك حمد جسّد تراث والده وحافظ على مكانة البحرين سياسيًا وأخلاقيًا ودوليًا
-الأمن الخليجي نجح... لكن التكامل الاقتصادي لم يحقق طموح المواطن حتى اليوم
-مجلس التعاون ليس إطارًا عربيًا عامًا بل تجمع مصير وثقافة وتقاليد وهوية واحدة
- صدام هدّد دول الخليج علنًا... وحضور قمة بغداد كان أسوأ تجربة سياسية في حياتي
-القذافي وصالح وياسر عرفات... مواقف صريحة وحادة من رجال السياسة العرب
- إيران علاقة «منضبطة» لكن المطامع في البحرين لم تنتهِ والحذر واجب دائمًا
-لا غنى للأجيال القادمة عن مجلس التعاون... فهو عماد الاستقرار وسند المستقبل

9e6492ae40.jpg

حاوراه: عيسى الشايجي - راشد الحمر:

في شهادة سياسية نادرة تختزن أكثر من أربعة عقود من العمل الدبلوماسي والتجربة الخليجية من الداخل، يفتح أول أمين عام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبدالله يعقوب بشارة، خزائن الذاكرة أمام «الأيام»، كاشفًا تفاصيل تأسيس المشروع الخليجي منذ لحظاته الأولى، ومعيدًا رسم صورة مرحلة صنعتها شخصيات استثنائية آمنت بالفكرة قبل أن تتحول إلى مؤسسة، وبالمشروع قبل أن يتجسّد في أنظمة ولوائح.
في هذا الحوار الخاص، يستحضر بشارة البدايات، حين سُمّيت أول قمة خليجية بـ «قمة الانطلاق والاعتزاز»، ويستعرض الدور المحوري الذي لعبه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله – في ترسيخ روح الإيمان بالمجلس، بوصفه مشروع مستقبل لا مجرّد إطار سياسي عابر. كما يكشف الأسس الصارمة التي حكمت إدارة القمم، وعلى رأسها ثلاثة محظورات شكّلت «الدستور غير المكتوب» للعمل الخليجي: عدم المساس بالسيادة، وعدم الاقتراب من الحدود، وعدم التدخل في السياسة الخارجية للدول.
ويمضي الحوار إلى أكثر المحطات إيلامًا في تاريخ المجلس، حين وقع الغزو العراقي للكويت، وكيف تحولت قمة الدوحة إلى واحدة من أصعب القمم وأكثرها توترًا، مثقلة بوجع الاحتلال وقلق المصير.
ويتوقف بشارة طويلًا عند تجربته الشخصية مع نظام صدام حسين، واصفًا قمة بغداد عام 1990 بأنها «أسوأ مؤتمر سياسي في حياته»، لما شهده فيها من تهديدات مباشرة واستخفاف بدول الخليج وشعوبها.
وللبحرين حضور خاص في هذا الحوار، من خلال حديثه المؤثر عن الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيّب الله ثراه، الذي وصفه بأنه ليس مكسبًا سياسيًا فحسب، وإنما كان رجلًا «أسر الناس بقيمه ورقيّ تعامله» حتى خصوم المنطقة.
كما يؤكد أن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة واصل هذا النهج، وحافظ على مكانة البحرين واحترامها الدولي.
ويذهب الحوار إلى الحاضر والمستقبل معًا، حين يُسأل بشارة عن تسمية القمة الخليجية القادمة في البحرين، فيقترح لها عنوان «قمة الإتقان والأمان»، في دلالة واضحة على رغبته في أن تشهد هذه المحطة الخليجية قرارات دقيقة التنفيذ، ومواقف موحَّدة حماسًا والتزامًا، باعتبار أن الإجماع بلا حماسة لا يصنع إنجازًا، وأن قوة المجلس تقاس بسرعة ترجمة قراراته على أرض الواقع.
ولا يغفل بشارة تقييم تجربة المجلس بعد 45 عامًا، معتبرًا أن المنجز الأمني واضح، والحضور السياسي مؤثر، لكن العائد الاقتصادي على المواطن الخليجي لا يزال دون الطموح. وفي شهادته على ملفات العرب، يتحدث بصراحة لافتة عن القذافي، وعلي عبدالله صالح، وياسر عرفات، وعن إيران التي وصف العلاقة معها بأنها منضبطة، مع تأكيده أن الحذر من مطامعها تجاه البحرين لا يزال قائمًا.
ويختتم بشارة حواره برسالة واضحة للأجيال القادمة: «لا غنى لكم عن مجلس التعاون»، باعتباره عماد الاستقرار الخليجي، وسند المستقبل في منطقة لا تعرف الهدوء الدائم.

6f91bc1cdb.jpg
وفيما يلي نص الحوار:
• لو طُلب منكم إطلاق تسمية على القمة الخليجية القادمة التي تستضيفها مملكة البحرين، أسوة بما كان يجري في القمم السابقة، فبماذا تُسمّونها؟
لطالما كانت قمم البحرين متّسمة بالسلاسة، وتعكس عذوبة الشخصية البحرينية وسكونها الإيجابي، لكن الأهم دائمًا هو إتقان الترتيبات وحسن الإعداد، وهو أمر ظللت أؤكد عليه منذ سنوات.
ولو أردت أن أُطلق تسمية على القمة المقبلة، فسأسميها: «قمة الإتقان والأمان».
وأقصد بـ «الإتقان» وضع الملفات التي يحتاج إليها مجلس التعاون اليوم على جدول الأعمال بدقة ووضوح، والتركيز على القضايا الحقيقية التي تواجه المجلس في هذه المرحلة.
أما «الأمان» فأعني به تأمين القناعة الجماعية المتحمسة لدى القادة تجاه ما يُتخذ من قرارات في مملكة البحرين.
صحيح أن قرارات مجلس التعاون تصدر دائمًا بالإجماع، لكنها ليست دائمًا بالدرجة نفسها من الحماسة، وأتمنى أن تكون الحماسة هذه المرة جماعية، ومتقاربة، وبمستوى واحد من الالتزام، لأن ذلك يضمن سرعة التنفيذ، ويُعزّز فاعلية المجلس على أرض الواقع.
وقد حقّق مجلس التعاون عبر مسيرته أشياء كثيرة لدوله، فهو حقّق الاطمئنان، ورسّخ ضرورة العمل الخليجي المشترك، وترجم ذلك إلى صوت مسموع في العواصم الدولية والمنظمات، وأوجد حالة من القبول والثقة لدى الرأي العام العالمي بمسار هذا الكيان.

• كان معروفًا عنكم إطلاق مسمّيات خاصة على بعض القمم الخليجية، هل تتذكرون أبرز هذه المسميات؟
نعم، وكانت أول قمة انطلقت سُميت بـ «قمة الانطلاق والاعتزاز»، والتي عُقدت في أبوظبي، وكان للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه الله – دور واضح في الإيمان العميق بهذه المسيرة، وقد كان هذا الإيمان ينعكس على محيّاه بملامح ارتياح لمستقبلٍ واعد، وكأن ما نراه في ملامحه كان ترجمة لاقتناعه بأن مجلس التعاون مشروع كبير لمستقبلٍ إيجابي.
والحقيقة أن الشيخ زايد كان هو الذي فتح أبواب التفاعل الخليجي، ودفع ما يمكن أن أطلق عليه «موسيقى مجلس التعاون التفاعلية»، بمعنى أنه كان صاحب روح المبادرة، وبثّ الحيوية في الاجتماعات، وأعطى هذا الكيان زخمه السياسي والمعنوي منذ البداية.
ومنذ اللحظة الأولى، وضعتُ ثلاثة محظورات أساسية كنت أكررها دائمًا في إدارة القمم والعمل اليومي، وهي ألا نقترب من سيادة أي دولة، وألّا نقترب من الحدود، وألّا يُسأل أو يُناقَش سلوك أي دولة في سياستها الخارجية أو الدبلوماسية.

• هل واجهتكم هذه المحظورات أثناء إدارتكم للقمم؟ وكيف استطاع المجلس الحفاظ على استمراريته؟
نعم، كانت هذه المحظورات تُصادفنا باستمرار. وفي فترة عملي، لم تكن كل دول المجلس على الدرجة نفسها من الحماس لتلقي القرار أو التفاعل معه بالطريقة ذاتها.
فبعض الدول كان يتعامل بحذر، وبعضها يتخوّف من تبعات بعض الملفات، وبعضها كان قانعًا بالمسار العام، ولا يرى ضرورة للاستعجال في القرارات الكبيرة.
أما البحرين، فقد كانت دائمًا دولة الحماس والقناعة في آن واحد. كانت تتعامل بإيجابية مع المجلس، وتؤمن به كفكرة وكمنهج، وليس فقط كمؤسسة سياسية.

• ما أصعب موقف واجهكم في هذا السياق خلال إدارة القمم، وأدّى إلى إطالة مدة إحدى القمم؟
أصعب موقف مررت به كان خلال قمة الدوحة والتي عُقدت أثناء الغزو العراقي للكويت، حيث كان تحرير الكويت هو القضية الأساسية والشغل الشاغل.

• كيف تلقيتم خبر غزو الكويت، وأين كنتم في ذلك الوقت؟
كنت في القاهرة أحضر القمة الإسلامية ممثلًا عن . وخلال وجودي هناك، وردني اتصال هاتفي من الشيخ سعد، يُبلغني فيه بأنه سيلتقي نائب الرئيس العراقي في جدة. كان ذلك في الأول من شهر أغسطس.
وقيل لي: توجّه إلى جدة، وكن قريبًا من الوفد الكويتي، وذلك لإيصال رسالة واضحة للجانب العراقي بأن مجلس التعاون حاضر، وأن الأمين العام موجود في الاجتماع.
وبالفعل، توجّهت إلى جدة، ودخلوا الاجتماع، وكان الاجتماع قصيرًا جدًا، لم يدم إلا عشر دقائق فقط، وكان الحاضر فيه الشيخ سعد، إلى جانب عزت الدوري عن العراق.
وخلال تلك الدقائق القليلة، وُجّه سؤال واحد مؤلم جدًا إلى الشيخ سعد من قبل عزت الدوري، إذ قال له بشكل مباشر: «هل أتيت بالمبلغ الذي نتوقّعه؟».
فرد عليه الشيخ سعد قائلًا: «أنا قادم للتفاوض، ولست حاملًا للأموال».
فكان ردّ عزت الدوري فوريًا: «إذًا، لا يوجد عمل». وانتهى الاجتماع عند هذا الحد. بعد ذلك، رفض الشيخ سعد هذه الطريقة في التعامل.

• بعد ذلك انتقلتم إلى الدوحة لعقد القمة التي وُصفت بأنها الأطول في تاريخ المجلس؟
نعم. وكانت الأجواء في القمة مشحونة بأحزان الاحتلال وهمومه، وكانت القاعة مثقلة بالقلق والغضب في آنٍ واحد.

• هل كنتم داخل القاعة أثناء مداولات القادة؟
نعم، كنت داخل القاعة بطبيعة الحال. لكن بعد ذلك، بدأت الاتصالات الثنائية، وتولى إدارتها الملك فهد – رحمه الله.

• وكيف عاصرتم الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيّب الله ثراه؟
الشيخ عيسى – رحمه الله – كان مكسبًا حقيقيًا للبحرين، ليس سياسيًا فقط، بل أخلاقيًا وإنسانيًا أيضًا برقيّ تعامله وقيمه العالية، وتراثه يشكّل مكسبًا للبحرين إلى اليوم. أتذكر تمامًا أن الشيخ عيسى في أحد الأيام كان منزعجًا بسبب تحريض الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد للبحرينيين ضد دولتهم. وحين نقلتُ هذا الأمر لحافظ الأسد بعد أن استأذنت الشيخ عيسى، قال لي الأسد حرفيًا: «أنا لا أتآمر على القديسين... الشيخ عيسى رجل قديس، وذو قمم أخلاقية عالية».
أعتقد بأن الشيخ عيسى كان يملك ملكة فريدة في أسر الناس بقيمه، وأن الجميع كان يحترمه ويعتبره إشعاعًا للبحرين.

• وجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم.. يسير على خطى والده.
بلا أدنى شك، فالشيخ عيسى رحل، لكن تراثه بقي، وخلّف احترامًا دوليًا، وأمنًا داخليًا، وصان البحرين وحفظ مكانتها. وأؤكد لك أن هذا التراث لن يضعف، ولن يزول، في ظل قيادة جلالة الملك المعظم، برؤاه، وحكمته.
وانتهى الموقف بعتاب لطيف من الشيخ خليفة، وكانت تلك آخر قمة أحضرها.

إقرأ أيضاً حوار لعثمان العمير مع الشيخ زايد عام 1974 يصوب خطأ تاريخياً حول ولادة مجلس التعاون الخليجي
f2aab00a06.jpg

• متى تشرّفتم بمعرفة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة؟
تشرّفت بالتعرّف على جلالته منذ كان وليًا للعهد ووزيرًا للدفاع. وكنا نجتمع مع وزراء الدفاع في دول الخليج بشكل دوري، وكان وزراء الدفاع آنذاك من رجال الصف الثاني، وكانت لهم منزلة خاصة.
وعرفت جلالة الملك حمد وهو يحمل مشروع البحرين ونموّها وثقافتها الراقية، ويمكنني القول إنه كان يحمل «أدب البحرين»، وهو أدب راقٍ بالفعل.
وجلالة الملك جسّد قيم والده الشيخ عيسى، وحملها معه عمليًا، ويبقى مقام الشيخ عيسى مقامًا دائمًا في البحرين.
كما أن دولة الكويت، حتى اليوم، تحمل في قلبها عاطفة إيجابية تجاه البحرين، وهناك إدراك عميق لظروفها الخاصة.

• نهج البحرين في القمم والاجتماعات الوزارية التي حضرتها كان دائمًا يدعو إلى التكامل والوحدة، كيف تقيّم هذا النهج؟
نعم، هذا صحيح. ومن تحمّل هذا النهج في البحرين كانوا رجال قيم، وكان في مقدمتهم الشيخ عيسى بن سلمان رحمه الله، ثم الشيخ محمد بن مبارك.
فإذا كان الشيخ عيسى منارة، فإن الشيخ محمد كان هو من شرب من هذا النور وتشربه.
صحيح أنه كان وزيرًا للخارجية، لكنه لم يكن يؤدي دورًا إداريًا فقط، بل كان يُجسّد القيم العليا التي كان يحملها الشيخ عيسى.
وسار الشيخ محمد بن مبارك بنفس الروح الإيجابية، والنهج ذاته، وحمل القيم الأخلاقية والسياسية نفسها.
الشيخ عيسى كان صاحب قيم عالية وأخلاق نقية ونوايا حسنة، أما محمد بن مبارك، فكانت هذه القيم حاضرة فيه بطريقة عملية ومفيدة في إدارة العلاقات السياسية.

• مضى على تأسيس مجلس التعاون 45 عامًا، ومع ذلك لم نصل إلى التطلعات المنشودة من التكامل، كيف تقرأون تجربة التنسيق والتعاون بين دول المجلس؟
هناك تنسيق بالفعل. وما يريحني تحديدًا أن الجانب الأمني في مجلس التعاون فعّال، وسياسيًا صوت المجلس مسموع عالميًا، وله ثقل وحضور كبير وعلاقات وطيدة مع العديد من التكتلات الدولية، وهذا مكسب كبير وإيجابي.
لكنني وددتُ لو أن الحصاد الاقتصادي كان أكبر، وكنت أتمنى أن يحصل المواطن الخليجي على دعم اقتصادي أوسع من خلال مزيد من التكامل.

• كانت هناك أحاديث عن رغبة بعض الدول العربية في الانضمام إلى مجلس التعاون، ما مدى صحة ذلك؟
لا، مجلس التعاون هو مجلس التعاون لدول الخليج العربية فقط. وبعض الدول ما زالت غير جاهزة للاندماج في هذه المنظومة المستقرّة المنسجمة. فمثلًا، العراق ليس طرف استقرار في المنطقة بعد.
وفي مرحلة سابقة، جرى تأسيس ما يسمى بـ«مجلس التعاون العربي»، لكنه تفكك، لأنه لم يكن يقوم على رابط حقيقي يجمع الدول الأعضاء فيه. بعكس مجلس التعاون الخليجي الذي يجمع دوله: وحدة المصير، وحدة الثقافة، وحدة التقاليد، ألفة السنين، ووحدة الأمل.
بصراحة، من الصعب على الدول العربية أن تجتمع على هذا النحو، ولا يوجد في الواقع شيء يمكن أن يُسمّى «تضامنًا عربيًا» بالمعنى الحقيقي.

• خلال فترة توليكم منصب الأمين العام، كانت القمم تطول ليومين أو أكثر، أليس كذلك؟
نعم، في سلطنة عُمان كانت القمم تستمر ثلاثة أيام كاملة، وكان القادة يباتون ليلتين فيها.
وفي الكويت كانت القمم تمتد ليومين. اليوم تغيّر الزمن، وتبدلت الظروف.

• ما أكثر موقف محرج أو حساس واجهته خلال القمم؟

كنت أحب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني كثيرًا، وكان يعتمد عليّ في تسهيل أمور كثيرة تتعلق بأوراق القمم عندما كانت قطر تترأس. لكن في إحدى المراحل، نشب خلاف حدودي بين قطر والمملكة العربية . وفي آخر قمة لي، التي كنا نُحضّر لها في أبوظبي، أصررتُ على إرسال أوراق القمة إلى قطر. وكان الشيخ خليفة حينها خارج البلاد في زيارة إلى أوروبا.
وصلت الأوراق، لكن كان هناك تردد في الاستلام، لأن بعض الجهات كانت تروّج كلامًا غير رسمي مفاده أن قطر لن تحضر القمة.
لكنني كنت واضحًا وصريحًا: هذا كلام غير رسمي، ولا يمكن إيقاف الترتيبات بناء عليه.
وبالفعل، تم حل المشكلة لاحقًا عبر وساطات من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
وحضر الشيخ خليفة القمة، وكنت في استقباله مع الشيخ زايد.
وتقدّم الشيخ خليفة للسلام على الشيخ زايد بحرارة، ثم التفت إليّ وسألني: «هل كنتم ستعقدون القمة بدون قطر؟». فقلت له: «هذا لا يمكن من الأساس، وقد أُرسلت الأوراق إلى قطر».

• كيف تم اختياركم أمينًا عامًا لمجلس التعاون؟
كنت مندوب دولة الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة، وكان طموحي وقتها أن أصبح أمين سر الجمعية العامة للأمم المتحدة. ثم أبلغني الشيخ صباح الأحمد بأهمية أن أرافقه إلى موسكو، بعد عودتنا من نيويورك.
وفي موسكو قابلنا وزير خارجية الاتحاد السوفيتي، وأخبرناه بشأن وجود توجّه بإنشاء مجلس التعاون الخليجي، وأننا نأمل أن يكون هناك ترحيب من الاتحاد السوفيتي بشأن ذلك، فردّ علينا الوزير قائلًا: «سنرحب بقيام مجلس التعاون إذا كان دبلوماسيته ستكون على غرار الدبلوماسية الكويتية ومواقفها الدولية»، وهنا التفت الشيخ صباح وقال: «نعم، بهذه الدبلوماسية، وهذا هو أميننا العام... بالنَفَس الكويتي» بعد أن أشار بيده إليّ، وبالفعل بدأ ترشيحي رسميًا لهذا المنصب.

• كيف حافظتم على رضا القادة طوال هذه السنوات؟
من خلال التبنّي لجميع القضايا والملفات التي تهم كلّ دول مجلس التعاون الخليجي، وأيضًا من خلال طريقة التعاطي الحذرة مع بعض الشؤون الداخلية والخارجية لكل دول واحترام كامل سيادتها ومواقفها.

• كان الصحفيون قريبين منكم كما كان القادة، لماذا؟
نعم، كانت علاقتي بالصحفيين وثيقة. والكويت بطبيعتها تشهد ازدهارًا في الأجواء الصحفية، وأنا أكتب مقالًا أسبوعيًا في صحيفة القبس كل يوم اثنين، في الصفحة الأخيرة. وكان لي سفر سابق إلى لندن مع وزير الإعلام البحريني الأسبق طارق المؤيد رحمه الله.

• ما القرار الذي اتخذتم فيه موقفًا، ولو كنتم اليوم أمينًا عامًا لما اتخذتم القرار نفسه؟
نعم، القرار الذي أندم عليه هو تلبية الدعوة التي وُجهت لي من العراق، من قبل صدام حسين تحديدًا، لحضور قمة عُقدت في مايو عام 1990.
لقد حضرت أسوأ مؤتمر في حياتي، وشاهدت أسوأ عرض سياسي يمكن أن يُقدَّم، مليئًا بالسخرية والاستخفاف بدول الخليج وقادته وشعوبه.
استمعت خلال ذلك الاجتماع إلى تهديدات صريحة وعلنية موجهة إلى دولة الإمارات، وإلى دولة الكويت، وعايشت أسلوب التعالي والتكبّر.
رأيت غياب الاحترام الكامل لدول الخليج، حكامًا وشعوبًا، ماضيًا وحاضرًا، بل حتى استهانة بالمستقبل.
كل ذلك كان يحدث أمامنا، لكن أخلاق أهل الخليج وسماتهم، من حياء وصبر وحكمة، كانت تمنعهم من النزول إلى مستوى الإساءة، أو الرد بالأسلوب ذاته.

• هل التقيتم بصدام حسين على انفراد في تلك المرحلة؟
لا، لم ألتقِ به على انفراد. وكانت العلاقات بين الكويت والعراق في ذلك الوقت مليئة بالأشواك.
وكان الذي يتحمل عبء التفاوض والتواصل هو الشيخ صباح وبعض القلة من المسؤولين، الذين كانوا يدخلون هذه الاجتماعات مع علمهم المسبق بأجواء الإهانة والاستخفاف.
وكان التعالي العراقي على دول الخليج عمومًا واضحًا، لكن الكويت كانت تتحمل النصيب الأكبر من هذا الاستخفاف بحكم الجغرافيا.


• كان هناك هجوم دائم على دول مجلس التعاون، واتهامات تخوين؟
نعم، بشكل خاص من اليسار العربي. وأنا شخصيًا كنت من أكثر من تعرّض لهذه الحملات. لأنني لم أكن صامتًا، بل كنت أتحدث، وأدافع، وأوضح المواقف.
وقد كانت هناك صحف صفراء في لندن ممولة من ليبيا، كانت تشن هجومًا مستمرًا علينا وعلى دول الخليج. لكن الخليجيين بطبعهم أناس طيبون. وأقول لك شيئًا: عندما تذهب إلى الإمارات، ترى كيف يتحوّل أعداء الأمس إلى أصدقاء اليوم.


• بعض المؤسسات الخليجية المشتركة ضعفت، مثل وكالة أنباء الخليج ومؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك، وغيرها؟
نعم، اتفق معك، وحصل ذلك تدريجيًا بعد انتهاء فترة عملي في الأمانة العامة. شخصيًا كنت حريص على تطوير هذه المؤسسات والنهوض بها. وربما واجهت بعض هذه المؤسسات سلسلة من التحديات والعقبات خصوصًا في موضوع التنسيق بسبب بروز بعض المشكلات، وبرأيي، نحن في النهاية «عيال فريج واحد»، نعرف بعضنا، ونخدم بعضنا، ونحل مشاكلنا داخل البيت الخليجي.

• ماذا تتمنون لقمة البحرين القادمة؟
أتمنى تعميق الجانب العسكري والأمني. وعلى دول الخليج أن تتعاضد أكثر، وتترابط أمنيًا بدرجة أعلى.

• كيف تقيّمون الوضع الإقليمي مع إيران؟
منطقة الخليج العربي مهمّة، لكنها مضطربة لظروف إقليمية خارجة عن إرادتها، بسبب عدم استقرار الأوضاع في العراق وإيران بشكل خاص.

• هل لديكم ملاحظات على مسار المجلس اليوم؟
نعم، لدي ملاحظات. الأمين العام الحالي لا يستطيع فعل الكثير في الظروف الراهنة. لكن بين دول مجلس التعاون لا ينبغي أن يكون هناك عتاب. وإذا قصّرت في حقك يومًا، فمن حقك أن تقول لي، ومن حقي أن أعتذر لك. ولو كان لي قرار، لأعطيت الدول التي تواجه صعوبات مالية دعمًا أكبر.

• طوال فترة وجودك في الأمانة العامة، هل تلقيتم تهديدات من دول أخرى؟
نعم. كان صدام حسين مصدرًا مباشرًا للتهديدات. وخلال الحرب العراقية الإيرانية، كان يهدد الخليج، وخاصة الإمارات.

c366570a2d.jpg
• وماذا عن معمر القذافي؟
أسوأ شخصية سياسية قابلتها. كان متقلبًا، وموقفه من الكويت كان سيئًا للغاية. التقيته مرة في قمة عربية في القاهرة عام 1996 برئاسة الرئيس حسني مبارك – رحمه الله، وكان الشيخ سعد حاضرًا. وكان القذافي يحاول التقرّب من الشيخ سعد، لكنه رفض. وقال له: بيني وبينك صحراء طويلة وكبيرة، وأبقى الله هذه الصحراء”. لم يكن القذافي يحترم دول الخليج. وكانت مواقفه سيئة بحقنا.

• موقفكم من علي عبدالله صالح؟
شخص، متقلب، ويستهين بمن حوله. ودول الخليج كانت الأكثر دعمًا له. الوقفة كانت رسمية وشعبية، ولكنه لم يقدّر ذلك. وأهل الخليج، رغم كل ذلك، ما زالوا حريصين على دعم الدول العربية المحتاجة.
• ما رأيكم فيما حصل في السابع من أكتوبر مع حماس؟
كانت كارثة. ولا أحد يعلم من خطط لها بدقة، لكن الجميع كان يعرف حجم الرد، ويعلم حجم الانتقام الذي سيقع، النتيجة كانت مذابح. وأين أصبحت القضية الفلسطينية الآن؟!.

• متى يمكن أن تستقر العلاقة مع إيران؟
إدارة هذه العلاقة جيّد، وبدأنا نحقق تقدمًا في تحسين العلاقات مع إيران، ولكن، فيما يتعلق بالمطامع الإيرانية في مملكة البحرين، فلا أظنها انتهت، ولذلك يجب أن يكون هناك حذر دائم.

• ما النصيحة التي توجّهونها إلى الأمين العام الحالي لمجلس التعاون؟
هو صديق عزيز، وأنا أثق بقراراته وبإدارته لمجلس التعاون، وأُثمِّن جهوده المبذولة.
وأثق كذلك بقيادات دول مجلس التعاون وبقدرتهم على اتخاذ القرارات المناسبة لهذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة.
وأعتقد أن المنطقة بحاجة فعلية إلى قرارات جريئة وواضحة، تنهض بالخليج، وتُعمِّق التواصل في مختلف المجالات، سياسيًا واقتصاديًا وتنمويًا.
وأود شخصيًا أن أرى اهتمامًا أكبر بتعميق العلاقات التجارية والاقتصادية بين دول الخليج، وأن تكون هناك حركة اقتصادية وتنموية أكثر عمقًا مما نشهده اليوم.

• ما وصيتكم للجيل القادم من أبناء دول مجلس التعاون؟
أقول لهم بكل وضوح: لا غنى لكم عن مجلس التعاون. وعليكم بتقوية هذا الكيان، والعمل على تعزيز مكانته في كل دولة من دوله الأعضاء. فهو عماد الاستقرار، وركيزة الأمن، وسند المستقبل.

Advertisements

قد تقرأ أيضا