كتبت أسماء لمنور في الخميس 27 نوفمبر 2025 03:49 مساءً - أوضح مركز ألما للأبحاث أنه في 27 نوفمبر 2025 تكتمل سنة كاملة على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وهي سنة شهدت عمليات يومية نفذها الجيش الإسرائيلي ردًا على الخروقات ومحاولات الحزب المتواصلة لإعادة البناء. وبحسب المركز، يبقى السؤال الأساسي هو من ينجح في فرض معادلة التفوق: الجهود الإسرائيلية لعرقلة إعادة البناء أم جهود حزب الله لإعادة ترميم قدراته.
ويشير المركز إلى أن تتبّع الضربات الإسرائيلية وتحليلها يكشف صورة واسعة حول توجهات الحزب في إعادة الإعمار. ويرى أن إعادة البناء تتم على ثلاثة مسارات مترابطة: عسكري، مدني، وإدراكي–رمزي، مؤكدًا أن مفهوم “المقاومة المسلحة” يشكل جوهر هوية حزب الله، ما يجعل عملية إعادة البناء جزءًا من بنيته الأيديولوجية قبل أن تكون ضرورة عملياتية.
خلال سنة وقف إطلاق النار، نفذ الجيش الإسرائيلي 669 ضربة جوية في جميع أنحاء لبنان، ويشير المركز إلى أن هذا العدد يعكس أحداث الضربات وليس عدد الأهداف المستهدفة، إذ قد تشمل الضربة الواحدة عدة أهداف. يشير استمرار الضربات طوال العام إلى أن حزب الله مستمر في إعادة البناء والحفاظ على حضور عملياتي على الأرض.
استهدفت الضربات عملية إعادة بناء البنية التحتية العسكرية لحزب الله بشكل عام، وجهود إعادة البناء الجوهرية بشكل خاص، مثل: تهريب الأسلحة، الإنتاج المحلي، وترميم الأسلحة، وفق ما ورد في تقرير مركز ألما المنشور بعنوان “حزب الله – الإنتاج العسكري المستقل: عقيدة هجينة في ظل الحاجة الاستراتيجية” في نوفمبر 2025. كما استهدفت الضربات مقاتلين من وحدات مختلفة منخرطين في جهود إعادة البناء العامة، والبنى التنظيمية المرتبطة بالقدرات الهجومية، والتجنيد، والتدريب.
فيما يتعلق بالقدرات الهجومية، يبدو أن معظم الضربات كانت موجهة إلى بنى منظومات النار التي صمدت خلال الحرب، والتي تشمل بين 20,000 و25,000 صاروخ وقذيفة من أنواع مختلفة، مئات الطائرات المسيّرة، وعدد غير معروف من منصات الإطلاق، إضافة إلى عناصر وبنى تابعة لوحدة الرضوان.
كما استهدفت الضربات الإسرائيلية البنى الاقتصادية-المدنية التي تعمل كغطاء أو قاعدة لإعادة البناء العسكري، بما في ذلك المعدات الهندسية، المقالع، مصانع الإسمنت، وأعضاء حزب الله الذين يساهمون في إعادة البناء العسكري من خلال وظائفهم المدنية.
ويشير المركز إلى أن إعادة الإعمار العسكرية والمدنية مرتبطة ببعضها، إذ تمكّن إعادة الإعمار المدنية حزب الله من تعزيز التمركز العسكري. وفقًا لمركز ألما، كثّف الحزب خلال الأشهر الأخيرة نشاطه المدني لتعزيز نفوذه على البيئة الشيعية وزيادة اعتمادها عليه.
على الرغم من تصريحات الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني حول نجاح عملية نزع سلاح حزب الله جنوب الليطاني، حيث أعلنت الحكومة في أوائل نوفمبر إن الجيش أنجز 85% من المهمة وكان من المتوقع استكمالها بنهاية العام، إلا أن الواقع على الأرض يختلف تمامًا، وفقًا لمركز ألما، استنادًا إلى نطاق الضربات الإسرائيلية في تلك المنطقة.
ويؤكد المركز أن الدولة اللبنانية لا تمتلك القدرة ولا الإرادة لمواجهة حزب الله بشكل حقيقي، فالجيش اللبناني محدود جدًا في عملياته وغير قادر أو راغب في مواجهة الحزب. ويضيف أن العوامل الديموغرافية للجيش (60%-40% شيعة)، والخوف من اندلاع حرب أهلية، وقيود حزب الله على حرية حركة الجيش، إضافة إلى التنسيق بين عناصر داخل الجيش والحزب، جميعها أسباب رئيسية لهذا الواقع.
ويشير مركز ألما إلى أن الجيش اللبناني لم يقدم أدلة واضحة حول ما أنجزه على الأرض، في حين أن متابعة الضربات الإسرائيلية تُظهر أن حزب الله يسرّع من إعادة بناء قدراته ويعمل على تعزيز قوته العملياتية والاستراتيجية.
وبينما الدولة اللبنانية وجيشها لا يتحركان بفعالية، يُضطر الجيش الإسرائيلي إلى اتخاذ الإجراءات. فالجيش الإسرائيلي هو الفاعل الرئيسي ضد جهود إعادة البناء التي يواصل حزب الله تنفيذها في خرق مباشر لوقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن 1701.
أبرز النتائج وفق مركز ألما:
معظم الضربات الإسرائيلية خلال سنة وقف إطلاق النار نفذت في الجبهة الجنوبية، جنوب الليطاني وشماله (قطاع وحدة بدر)، مما يشير إلى نشاط مكثف لحزب الله في إعادة بناء البنى التحتية في الجنوب وحضور كبير لعناصره هناك.
على الرغم من محاولة حزب الله خلال الهدنة إبعاد بنياته شمال الليطاني، فإن طبيعة الأهداف المستهدفة مؤخرًا جنوب الليطاني تشير إلى عودة تدريجية وإعادة ترميم بعض المواقع التي كانت قد ضربت سابقًا.
ويشير تحليل المركز باستخدام الخرائط الحرارية إلى أن منطقة عيترون كانت الأكثر تعرضًا للضربات، بأكثر من 50 ضربة، تليها عيتا الشعب بأكثر من 40 ضربة، ثم مناطق العديسة وحولا وبنت جبيل وزبقين وطير حرفا والناقورة.
شمال الليطاني، سجلت منطقة النبطية أعلى عدد من الضربات، بإجمالي 52 ضربة.
البقاع شكّل حوالي 13% من الضربات، رغم أهميته الاستراتيجية كعمق للمنظومات العسكرية والبنى التحتية، بينما شكلت بيروت 1.6% فقط من الضربات، أي 11 ضربة.
متوسط الضربات العامة بلغ 51 ضربة شهريًا، رغم تقارير عن تصعيد، إلا أن البيانات منذ يونيو 2025 تظهر ثبات العدد عند متوسط 48 ضربة شهريًا.
الاغتيالات الجوية:
منذ بدء وقف إطلاق النار، قُتل 218 عنصرًا من حزب الله، ما يشكل نحو ثلث إجمالي الضربات. توزعت الاغتيالات كالتالي:
49% جنوب الليطاني، 107 عنصرًا
34% شمال الليطاني، 74 عنصرًا
13.3% البقاع، 29 عنصرًا
3.7% بيروت، 8 عناصر
ورصد المركز ثلاث مراحل للنشاط:
الفترة من نوفمبر 2024 إلى فبراير 2025، منخفضة الوتيرة.
الفترة من مارس إلى يوليو 2025، تصاعد مستمر وصولًا إلى ذروة في يوليو بـ30 اغتيالًا.
الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر 2025، ارتفاع تدريجي بعد انخفاض أغسطس إلى 11 اغتيالًا، ويُرجح أن ذلك مرتبط بزيارات مسؤولين أميركيين للبنان.
يشكل عناصر وحدة الرضوان 21% من القتلى.
كما شملت الضربات عناصر من وحدة 4400 (التهريب)، وحدة 127 (الجوية)، مديرية البحث والإنتاج، وحدة 3900 (الخارجية)، ووحدة 840 التابعة لفيلق القدس، إضافة إلى عناصر من المنظومة المالية.
أبرز الضحايا كان هيثم علي طبطبائي، القائد العسكري لحزب الله (رئيس الأركان)، الذي قُتل في ضربة بيروت بتاريخ 23 نوفمبر 2025.
كما قُتل 28 عنصرًا من منظمات أخرى، أبرزهم حماس (18)، بالإضافة إلى عناصر من أمل، كتائب المقاومة اللبنانية، الحزب السوري القومي الاجتماعي، جماعة إسلامية، والجبهة الشعبية، حيث تراوحت الاغتيالات لكل منظمة بين عنصر واحد وأربعة عناصر.
النشاط الهجومي البري:
نفذ الجيش الإسرائيلي منذ بدء وقف إطلاق النار 1,200 عملية برية على طول خط التماس، بما يشمل قرى حولا وميس الجبل وعيتا الشعب. ويحذر مركز ألما من أن عودة المدنيين اللبنانيين إلى القرى الحدودية قد تمنح حزب الله فرصة لإعادة التمركز، إلا أنه لا يوجد حتى الآن دليل على وجود ثابت لعناصره على طول الخط الأمامي، وتحافظ إسرائيل على خمس نقاط استراتيجية لمراقبة نشاط الحزب ومنعه من العودة إلى خط التماس.
الخلاصة:
وفق مركز ألما، وبسبب محدودية قدرات الدولة اللبنانية وجيشها، فإن الجيش الإسرائيلي مضطر للاستمرار في سياسة الضربات والاغتيالات ضد إعادة بناء حزب الله لمنع تقوية قدراته. ويؤكد أن الحزب مصمم على تجديد نشاطه في جنوب لبنان ويحظى بدعم شريحة شيعية تعتمد عليه في الخدمات الأساسية، ما يجعل الضغط الدبلوماسي وحده غير كافٍ لنزع سلاحه.
ويشير المركز إلى أن حزب الله لن يتخلى عن أيديولوجية “المقاومة المسلحة” ويستعد، بدعم إيراني، للمواجهة المقبلة مع إسرائيل، حيث السؤال ليس “هل” بل “متى”. ويرى المركز أن الضربات الإسرائيلية، مهما كانت قاسية، لن توقف جهود إعادة البناء، ويمكن أن تعمل على إضعاف الحزب فقط على المدى الطويل، من خلال استراتيجية شاملة تشمل التعاون مع الولايات المتحدة ودول أوروبية ودول عربية معتدلة، مع مزج الضربات العسكرية بالإجراءات غير القتالية للتأثير على قدراته بشكل مستدام.
