ليست الرحمة امتيازًا يمنحه المرء لمن يشاء ويمنعه عمّن يشاء، بل هي سرّ إلهيّ يودعه الله في بعض القلوب ليمتحن بها طهرهم، لا ليتباهوا بها، ولا ليحكموها كما يشاؤون. ومع ذلك، كم من يدٍ بشرية توهّمت امتلاك مفاتيح الرحمة، فأغلقت بها أبوابًا على آخرين، متصورة أن العدل والانتقام وجهان لنفس القيمة!
يُخيفني دائمًا أولئك الذين يتحدثون عن «الرحمة» وكأنها مشروع شخصيّ، يمنحونه لمن يرضون عنه ويحجبونه عمن خالفهم أو أخطأ في حقّهم. كأن الرحمة سُلطة لا شعور، وكأنهم ورثة الله في أرضه يملكون حقَّ العفو والعقوبة. بينما الحقيقة البسيطة التي يغفل عنها الكثيرون أن الرحمة ليست بيدك، لا تُستعار ولا تُستولد، ولا تُستدعى ساعة الغضب لتجمّل مظهرك أمام الناس. إنها بيد الله وحده، وهو وحده من يعرف أين يضعها ومتى يسكبها، ولمن يمنحها.
يحدث أحيانًا أن يمرّ المرء بتجربة تُشبه صفعة الوعي، حين يرى قسوة الناس على بعضهم، فيكتشف أن بعض القلوب تجفّ رغم وفرة الكلام عن الإيمان. تجد من يرفع شعار الرحمة، ثم لا يتورع عن كسر قلبٍ ضعيف، أو التشهير بوجعٍ لم يُخلق ليُعرّض في العلن. كأن القسوة تمنحهم شعورًا زائفًا بالقوة، في حين أنها تكشف خواءً عميقًا في دواخلهم.
الرحمة لا تُمارس من علٍ، ولا تُلقى من فوق، بل تُنسج من الداخل حين يختبر المرء ضعفه الحقيقي أمام الله، حين يتذكّر أنه هو نفسه نجا بفضل رحمةٍ لم يكن يستحقها. لذلك، حين تجرّب أن تضع نفسك موضع الله، لتوزّع رحمته أو تمنعها، فأنت في الحقيقة تُعلن عجزك عن أن تكون عبدًا متواضعًا.
كم من علاقة انكسرت لأن أحدهم قرر أن يملك الرحمة بيده، فحجبها عن الآخر، ناسيًا أن الله وحده هو الذي يمحو ويغفر ويعفو. وكم من قلبٍ احترق لأنه التمس من بشرٍ شفقةً كان يجدر أن يلتمسها من السماء. فاحذر أن تُقيم نفسك قاضيًا على أرواح الآخرين، فالحساب ليس لك، ولا الرحمة من نصيب سلطتك.
تصرّف بما في يدك فقط: بالحبّ، بالعطاء، باللطف الممكن. وامنح ما تستطيع من دفءٍ وإنسانية دون أن تُفسدها بادعاء القداسة. أمّا ما بيد الله، فاتركه لله، لأنك مهما ظننت نفسك عارفًا أو منصفًا، فإنك تجهل من خفايا القلوب ما يعلمه وحده.
الرحمة ليست ضعفًا، بل قُدرة على أن ترى الألم دون أن تحكم، وأن تتذكّر أن وراء كل خطأ روحًا تتألم، ووراء كل قسوةٍ خوفًا، ووراء كل غلظةٍ حكاية لم تُروَ. حين تفهم ذلك، تدرك أن أجمل ما يفعله المرء في هذه الحياة أن يردّ الرحمة إلى صاحبها، وأن يكتفي هو بأن يكون سببًا صغيرًا في جريانها، لا حاجزًا يعترضها.
الرحمة بيد الله، ولعل أجمل مظاهر الإيمان أن تُدرك أنك لا تملكها، وأنك مهما عظمت فهي تظلّ ظلًّا خفيفًا من رحمته التي وسعت كل شيء.
فلا تُحاول سرقة ما لا يُسرق. فالرحمة ليست غنيمة تُنتزع من يد الله، ولا سُلطة تُمارسها باسم الفضيلة، بل نفحة من سرّه يمنحها لمن يشاء. وحاشا لله أن يُمكن أحدًا من أخذ شيءٍ من خزائنه، أو أن يترك لضعف البشر سلطانًا على رحمته الواسعة. إنما يُختبر المرء حين يتوهم القدرة على ذلك، فيسقط في وهم السيطرة على ما لم يُخلق له، وينسى أن كل ما بين يديه عارية مؤقتة. لذلك، لا تمدّ يدك إلى ما بيد الله، ولا تتعالى على رحمته، بل اكتفِ بأن تكون مرآة صغيرة تعكسها، لا سارقًا يحاول احتكارها.
سعدية مفرح – الشرق القطرية
كانت هذه تفاصيل خبر الرحمة بيد الله.. فلا تسرقها! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
