ابوظبي - سيف اليزيد - أحمد عاطف (القاهرة)
شدد خبراء على أهمية مبادرة «الذكاء الاصطناعي من أجل التنمية»، التي أطلقتها دولة الإمارات على هامش مشاركتها في قمة مجموعة العشرين، والموجهة لدعم الدول الأفريقية في مجالات التعليم والصحة والزراعة والبنية التحتية، مؤكدين أن المبادرة تعزز قدرات دول القارة في مجالات استراتيجية، مما يمهد لمرحلة جديدة من التنمية المستدامة.
وأوضح هؤلاء، في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن المبادرة الإماراتية تُعد أحد أكثر المشاريع تأثيراً في مستقبل أفريقيا الرقمي، إذ إنها لا تقوم فقط على ضخ التمويل، بل على نقل المعرفة، وبناء منصات الابتكار، ودعم الجامعات والشركات الناشئة، وتعزيز قدرات الأمن السيبراني، بما يتيح لدول القارة الانتقال من موقع المستهلك للتقنيات إلى موقع المنتج والمطوّر لها.
وأشاروا إلى أن التوجه الإماراتي يحمل بعداً إنسانياً واستراتيجياً في آن واحد، إذ يدعم التنمية البشرية، ويعزز الاستقرار الاقتصادي، ويوفر فرص عمل واسعة، ويمنح العديد من الدول الأفريقية القدرة على حماية اقتصاداتها والتحول بثقة نحو اقتصاد المعرفة.
وقال رئيس مركز الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني في جامعة إيست لندن، أمير النمرات، إن استثمارات الإمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي والطاقة المستدامة أصبحت اليوم نهجاً استراتيجياً واضحاً، وتعود فائدتها على العديد من الدول الفقيرة والنامية، خصوصاً في أفريقيا.
وأضاف النمرات، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الإمارات نفذت بالفعل استثمارات واسعة في مشاريع الطاقة الشمسية في عدد من الدول الأفريقية، إلى جانب تعاون متزايد مع الجامعات الأفريقية لبناء القدرات في مجال الذكاء الاصطناعي ونشر التوعية بهذا القطاع الحيوي.
وأشار إلى أن هذه الاستثمارات سيكون لها أثر كبير على استقرار الدول الأفريقية، عبر دعم الشباب والمجتمعات وتمكينها من بناء نماذج تنموية مستدامة، موضحاً أن توفير فرص عمل جديدة من شأنه الحد من اضطرار الشباب إلى الهجرة غير النظامية، بما يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على المدى الطويل.
وذكر النمرات أن هذا التوجه يعكس ما يُعرف بالدبلوماسية الناعمة القائمة على توظيف التكنولوجيا وتعزيز الشراكات لبناء صداقات إقليمية ودولية وتطوير كفاءات يمكن الاستفادة منها لاحقاً في الاقتصاد الإماراتي، لافتاً إلى أن هذه الدبلوماسية تفتح كذلك آفاقًا واسعة أمام الشركات والاستثمارات الإماراتية للعمل في أسواق جديدة.
وأفاد بأن للجانب الإنساني حضوراً واضحاً في الجهود الإماراتية، ففي حين يُقدّم الذكاء الاصطناعي أحياناً على أنه تهديد للبشرية، تمنح الاستثمارات الإماراتية هذا القطاع بُعداً مختلفاً، يقوم على دعم التنمية البشرية والمستدامة، مشيراً إلى أن تجارب التاريخ أثبتت أن الدبلوماسية الناعمة والاستثمار في الإنسان يحققان مكاسب استراتيجية أكبر على المدى الطويل، خصوصاً عندما تُبنى العلاقات بين الدول على التعاون والتنمية المشتركة.
من جانبه، أوضح علاء الشهري، كبير مستشاري المركز الإقليمي لعلوم وتكنولوجيا الفضاء في الأمم المتحدة، أنه يتابع بشغف إعلان دولة الإمارات عن استثمار مليار دولار لدعم البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والخدمات الداعمة له في أفريقيا، بهدف مساعدة دول القارة على تحقيق أولوياتها التنموية في ظل التحديات الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم.
وذكر الشهري، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن المبادرة الإماراتية تسهم في مد جسور التكنولوجيا في مجالات محورية، مثل التعليم، والرعاية الصحية، والتكيف مع التغيرات المناخية، التي تلتهم الأخضر واليابس في الدول الأفريقية الأكثر فقراً وتعرقل برامج التنمية المستدامة.
وأشار إلى أن رؤية الإمارات تنطلق من أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد صناعة مستقبلية، بل ركيزة أساسية في مستقبل البشرية، ولذلك تعمل الدولة على تسريع وتيرة الابتكار لدفع عجلة التقدم في الاقتصاد العالمي، مع التزام واضح بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لصالح الشعوب في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في القارة الأفريقية.
ونوه الشهري بأن الإمارات تُعد من أكبر المستثمرين في أفريقيا، حيث بلغت تجارتها الثنائية مع دول القارة في عام 2024 نحو 107 مليارات دولار، مؤكداً أن هذه الأرقام تعكس مصداقية الدولة وحرص قيادتها على مد يد العون لمختلف دول العالم.
بدوره، قال أسامة الزعبي، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة «فوسفورس»، إن إطلاق الإمارات لمبادرة الذكاء الاصطناعي لدعم أفريقيا يشكّل تحولاً نوعياً يعالج إحدى أبرز الفجوات في المشهد الرقمي للقارة، إذ لا يقوم على استقدام التكنولوجيا فحسب، بل على تمكين الأفارقة من بنائها وتطويرها داخل بيئتهم المحلية عبر دعم الجامعات، والمواهب الشابة، والشركات الناشئة، وتطوير البنى التحتية الرقمية.
وأضاف الزعبي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن أهمية الذكاء الاصطناعي من منظور الأمن السيبراني تتجاوز كونه وسيلة للاستجابة للهجمات، ليصبح عنصراً وقائياً أساسياً، خصوصاً أن الهجمات السيبرانية اليوم باتت تعتمد على نماذج تعلمية تتطور ذاتياً وتبتكر أساليب جديدة بسرعة تفوق قدرة الأدوات التقليدية.
وأشار إلى أن وجود منظومة ذكاء اصطناعي في قلب البنية الدفاعية يمنح المؤسسات القدرة على مراقبة سلوك الشبكات بشكل متواصل، واكتشاف التغيرات الدقيقة غير الطبيعية قبل أن تتطور إلى خرق فعلي، وتقليص زمن الاستجابة من ساعات أو أيام إلى دقائق وثوانٍ.
في السياق، قال الدكتور محمد مغربي، استشاري أمن المعلومات وخبير الذكاء الاصطناعي، إن القارة الأفريقية اليوم بحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية الرقمية، حتى تنتقل من مرحلة المستهلك إلى مرحلة المنتج والمطوّر للتكنولوجيا، مضيفاً أن هذا المسار لن يتحقق من دون تمكين الشباب في مجالات متقدمة، مثل تعلم الآلة، وتحليل البيانات الضخمة، والرؤية الحاسوبية، وهو باب تفتحه المبادرة الإماراتية عبر دعم القدرات وبناء المهارات.
وأشار مغربي، في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن أهمية المبادرة لا تكمن في التمويل فقط، بل في نقل المعرفة وبناء منظومات ابتكار حقيقية تربط الجامعات بالشركات وتخلق بيئة حاضنة للشركات الناشئة، مما يسمح بتطوير حلول تخدم قطاعات تحتاجها أفريقيا بصورة ملحّة، مثل الزراعة الرقمية، والرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات المالية.
واعتبر أن الاستثمار الإماراتي يمثل استثماراً مهماً في جاهزية القارة الأفريقية للمستقبل، فالتقنيات الذكية لم تعد رفاهية، بل محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي خلال السنوات العشر المقبلة، موضحاً أن أفريقيا تمتلك سوقاً ضخماً وموارد بشرية كبيرة، لكنها تحتاج دفعة قوية للدخول في السباق العالمي، والمبادرة الإماراتية تمثل عاملاً حاسماً يمكن أن يفتح للقارة أبواباً جديدة في التحول الرقمي والاقتصاد المعرفي.
وأفاد مغربي بأن أفريقيا قادرة على الاستفادة من المبادرة الإماراتية بشكل عملي وملموس، لأنها تجمع بين فجوة كبيرة في البنية الرقمية ووفرة في الموارد البشرية التي تحتاج للدعم والتمويل.
منظومة أمنية
ونوه الزعبي بأن القارة الأفريقية تشهد توسعاً متسارعاً في الخدمات الحكومية الرقمية، والتجارة الإلكترونية، وأنظمة الدفع عبر الهاتف المحمول، وهي قطاعات لا يمكن أن تستمر في النمو من دون منظومة أمنية قادرة على التعلم والتطور بالوتيرة نفسها، موضحاً أن المبادرة الإماراتية تزوّد المؤسسات الأفريقية بالأدوات والسيادة التقنية اللازمة لحماية اقتصاداتها الرقمية، وتمنحها القدرة على استخدام الذكاء الاصطناعي كقوة تمكينية وليس كمنتج جاهز.
وذكر أن ما تقوم به الإمارات يمثل نقلاً للخبرة وبناءً للمهارات ودعماً لنماذج أعمال مستدامة، وهو ما يفتح الباب أمام تحول حقيقي، تنتقل فيه أفريقيا من بيئة شديدة الهشاشة أمام المخاطر الرقمية إلى منظومة قادرة على الابتكار والنمو بثقة.
