اخبار العالم

"الجهاديون" في مالي يستخدمون الوقود أداة حرب تخنق البلاد اقتصادياً، فما القصة؟

  • "الجهاديون" في مالي يستخدمون الوقود أداة حرب تخنق البلاد اقتصادياً، فما القصة؟ 1/3
  • "الجهاديون" في مالي يستخدمون الوقود أداة حرب تخنق البلاد اقتصادياً، فما القصة؟ 2/3
  • "الجهاديون" في مالي يستخدمون الوقود أداة حرب تخنق البلاد اقتصادياً، فما القصة؟ 3/3

الرياص - اسماء السيد - حلّت أصوات الخطى المتثاقلة محل الضجيج المألوف لمحركات السيارات وأبواقها في شوارع مدينة باماكو، عاصمة مالي.

ولجأ السكان إلى دفع دراجاتهم النارية يدوياً بعد أن نفد وقودها على طرق ترابية في المدينة، مما أثار حالة من الغضب الشديد بسبب حصار الوقود الذي أصاب مالي بالشلل منذ أكثر من شهرين.

وتشن "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" (JNIM)،، وهي جماعة جهادية على صلة بتنظيم القاعدة، هجمات على شاحنات نقل الوقود المتجهة إلى مالي، في خطوة أدت إلى توسيع نطاق تمردها المستمر منذ أعوام ليشمل ساحة الحرب الاقتصادية.

كما اختطف مقاتلو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عدداً من السائقين، وأحرقوا ما يزيد على مئة شاحنة كانت في طريقها إلى العاصمة باماكو.

وبناء على ذلك انقلبت الحياة اليومية لملايين المواطنين في مالي رأساً على عقب، إذ اضطرت المدارس والجامعات إلى الإغلاق، وارتفعت أسعار المواد الغذائية، بينما تكافح المستشفيات مشكلة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي.

وأدّى النقص الحاد في الوقود إلى إثارة مخاوف دولية، إذ دعت الولايات المتحدة رعاياها إلى تجنّب السفر إلى مالي، فيما أوصت فرنسا مواطنيها المقيمين في الدولة، الواقعة في غرب أفريقيا، بمغادرتها في أقرب وقت.

وأصبحت الطوابير الطويلة الممتدة أمام محطات التزويد بالوقود من أبرز المشاهد التي يمكن رؤيتها في البلاد.

وقال سيدي جيري، سائق سيارة أجرة ينتظر في إحدى محطات الوقود بالعاصمة باماكو، لبي بي سي: "نحن هنا ننتظر الوقود منذ أكثر من أربعة أيام".

وأعرب عن أمله في أن تستطيع الحكومة، التي يقودها الجيش في مالي، حلّ الأزمة قريباً، موضحاً أن "عمل الجميع تأثر، سواء كان الشخص بائعاً أم معلماً".

وفي عدد من محطات التزويد بالوقود في العاصمة، يرى السائقون لافتة صغيرة كُتب عليها ثلاث كلمات تثير الإحباط: "لا يوجد وقود اليوم".

ويضطر العديد من سائقي سيارات توصيل الطلبات والحافلات إلى المبيت في محطات التزويد بالوقود، على أمل أن يكونوا من أوائل من يحصلون على الوقود فور وصوله.

وفي ظل ارتفاع أسعار ركوب المواصلات العامة ثلاثة أضعاف في بعض أحياء العاصمة، اختار بعض الركاب الاستغناء عن الحافلات كلياً، واضطروا إلى السير على أقدامهم مسافات طويلة بغية الوصول إلى أماكن عملهم.

مواطنة تدعى أسيتان ديارا، في سوق باكو جيكوروني بالعاصمة باماكو.
BBC
أصبحت رحلات مواطنة تدعى أسيتان ديارا إلى السوق باهظة الثمن بشكل متزايد.

وقالت مواطنة تدعى أسيتان ديارا، في سوق باكو جيكوروني في العاصمة، إن أسعار المواد الغذائية ارتفعت ثلاثة أضعاف.

وأضافت: "الأوضاع صعبة للغاية في الوقت الراهن. لكن ما الذي يمكننا عمله؟ نحن في حالة حرب. نرجو من الله أن تحل السكينة والسلام على وطننا".

وقال تجار لبي بي سي إن الأسعار شهدت ارتفاعاً بسبب ارتفاع تكاليف النقل وتراجع حجم البضائع المستوردة المتاحة في السوق.

وقال تاجر يدعى أمادو تراوري: "البضائع التي كان من السهل الحصول عليها سابقاً لم تعد في متناول اليد بنفس السهولة بسبب عدم توافر وسائل النقل، وبالنسبة لنا، كبائعين للمواد الغذائية، يؤدي نقص الوقود إلى صعوبة الوصول إلى الإمدادات".

ويبدو أن الفوضى التي تعمّ البلاد تخفي وراءها خطة مدروسة بعناية.

وكان الانقلاب العسكري، قبل خمس سنوات، قد حظي بتأييد شعبي بعد السيطرة على السلطة في البلاد، وتعهد القادة وقتها بالتعامل مع الأزمة الأمنية المستمرة، والتي اندلعت نتيجة تمرد انفصالي في شمال البلاد، قبل أن يستولي عليها مقاتلون إسلاميون مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

بيد أن التمرد الإسلامي مستمر حتى الآن، وقد جعل مناطق واسعة من شمال وشرق البلاد خارج نطاق سيطرة الحكومة.

كما عززت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجماتها في هذه المنطقة خلال العام الماضي، لذا يُمثل فرض حصار باستخدام الوقود تصعيداً ملموساً مقارنة بأساليبها المعتادة في شن كمائن سريعة ثم الانسحاب.

ونظراً لأن مالي دولة حبيسة جغرافياً، فلا بد من جلب إمدادات الوقود عبر طرق برية تمر بدول مجاورة، مثل السنغال وساحل العاج.

وتدفع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين حكومة مالي، بسبب حصار الوقود الذي يُعد شريان الحياة للنقل والكهرباء واللوجستيات، إلى التراجع واتخاذ موقف دفاعي.

كما يدل الحصار على اتساع رقعة التمرد الجغرافي، حيث يركز مقاتلو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجماتهم على الطرق السريعة التي تصل مالي بدولها المجاورة إلى الغرب والجنوب.

وكان نقص الوقود قد أثّر بشدة على المستشفيات، إذ جعل عدم توافر السولار العديد من المنشآت الصحية عاجزة عن تشغيل المولدات لفترات طويلة، مما يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي ويهدد خدمات الطوارئ.

في مركز "كالابان كورو" الصحي، يجد الطاقم الطبي صعوبة في الوصول لبدء نوبات عملهم.

وقال طبيب يدعى عيسى جيدو لبي بي سي: "يجب على أفراد طاقمنا الالتزام بالوقت والدقة في الحضور لأداء واجبهم، إلا أنه أصبح من الصعب للغاية عليهم الحصول على الوقود لمجرد المجيء إلى العمل".

كما أصبح التنقل تحدياً أمام المعلمين والطلاب على حد سواء، وبناءً عليه، صدر أمر بإغلاق المدارس والجامعات لمدة أسبوعين، وأُعيد افتتاحها يوم الاثنين، إلا أن بعض الموظفين في المناطق الريفية لم يتمكنوا، حسب تقارير، من الوصول إلى أماكن عملهم.

وأُصيبت حياة ملايين المواطنين بالدمار، وبدأ المواطنون يشكون بهدوء في مدى قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمة.

وفي محاولة لاحتواء الوضع، أعلنت الحكومة العسكرية عن مجموعة من التدابير الطارئة، من بينها مرافقة شاحنات تابعة للجيش محمّلة بالجنود قوافل الوقود أثناء خط سيرها من الحدود إلى العاصمة، بيد أن هذه العمليات تنطوي على مخاطر أمنية جسيمة، وقد تعرّضت بعض القوافل للهجوم بغض النظر عن وجود الجيش.

وتشير تقارير إلى أن الحكومة كانت قد أبرمت اتفاقية طارئة مع روسيا لاستيراد الوقود، وذكرت وسائل إعلام حكومية أن باماكو تجري مفاوضات مع موسكو لاستيراد البترول المكرر، بالإضافة إلى الحصول على دعم فني لتأمين طرق النقل.

ويؤكد المسؤولون أن الوضع تحت السيطرة، بينما يتهم معارضون الحكومة العسكرية بالتعامل مع الوضع بطريقة ردود الفعل بدلاً من اتخاذ إجراءات استباقية.

ويشكّل نقص الوقود تحدياً مزدوجاً للحكومة بقيادة قائد الانقلاب، الكولونيل أسيمي غويا.

ويستطيع نظام غويا تصوير نفسه كضحية للجهاديين، ما يعزز الدعم الوطني ويبرّر تشديد الإجراءات الأمنية.

من جهة أخرى، أظهر الحصار تراجع نفوذ الحكومة خارج باماكو وأضرّ بالثقة العامة بنظام جاء إلى السلطة وهو يتعهد بمحاربة الجهاديين.

كما أدى نقص الوقود أيضاً إلى تعزيز اعتماد البلاد على روسيا.

وقدمت مجموعات "مرتزقة" روسية الدعم لحكومة غويا منذ انسحاب القوات الفرنسية وقوات الأمم المتحدة، وقد يؤدي الاعتماد المتزايد على روسيا إلى إدخال مالي بشكل أعمق ضمن نطاق نفوذ موسكو، مما قد ينعكس سلباً على المساعدات والاستثمارات الغربية.

كما تشهد العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي توتراً بالفعل، في حين تكاد تنقطع العلاقات تماماً مع فرنسا.

بيد أنه بالنسبة للمواطنين الماليين العاديين، فإن الاعتبارات الجيوسياسية لا تهُم عندما تكون أسعار الغذاء مرتفعة جداً ولا يمكنهم الوصول إلى أماكن عملهم.

ويخشى مواطن يدعى أميدو ديالو، عامل لحام يبحث دون جدوى عن وقود لتشغيل مولّد طاقة، من أن تؤدي هذه المشكلات إلى ارتفاع معدلات الجريمة وتدهور الوضع الأمني.

وقال لبي بي سي: "نحن نواجه أزمة، وإذا استمر الوضع هكذا، فقد تظهر مشاكل أخرى، وهذا قد يدفع الناس إلى التفكير في أشياء تنطوي على مخاطر".

8571172a10.jpg

Advertisements

قد تقرأ أيضا