اخبار العالم

كيف أعاد محمد شياع السوداني تعريف هيبة الدولة العراقية؟ 

كيف أعاد محمد شياع السوداني تعريف هيبة الدولة العراقية؟ 

الرياص - اسماء السيد - "الخليج 365" من بغداد: منذ اللحظة الأولى لتكليفه برئاسة مجلس الوزراء العراقي، كان محمد شياع السوداني يدرك أن اختبار الدولة الحقيقي لا يكون في الخطابات ولا في النوايا، بل في القدرة على فرض القانون، وبناء القرار السيادي، واستعادة ثقة المواطن.

في بلد أنهكته الفوضى الأمنية، وتنازعته مراكز القوة، ظلّ ملف حصر السلاح بيد الدولة معيارًا صعبًا، وامتحانا طالما تهرب منه كثيرون. لكن السوداني اختار أن يضع يده مباشرة على الجرح، وأن يتعامل مع هذا الملف بوصفه منجز دولة لا شعار مرحلة، وحقا سياديا لا يقبل المزايدة.

إعادة الاعتبار للمؤسسات الأمنية
قدم السوداني نموذجا مختلفا في إدارة الملف الأمني، يقوم على الهدوء، والتدرج، والعمل المؤسساتي، بعيدا عن الاستعراض أو الصدام غير المحسوب. فحصر السلاح لم يكن حملة ظرفية ولا اجراء إعلاميا، بل مسارا تراكميا بدأ بإعادة الاعتبار للمؤسسات الأمنية، وتوحيد القرار العملياتي، وفرض سلطة الدولة في المدن، وضبط السلاح المنفلت عبر القانون لا عبر الفوضى. ومن هنا، يصبح من غير المنصف، بل من غير المقبول، أن يزايد أحد على هذا المنجز، لأنه تحقق بصبر الدولة لا بضجيج السياسة.

السوداني: هذا شرط بناء دولة مستقرة
وفي مقابلة أجراها السوداني مع وكالة رويترز في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أوضح بجلاء أن حصر السلاح بيد الدولة ليس موجها ضد طرف بعينه، بل هو شرط أساسي لبناء دولة مستقرة، واقتصاد قادر على النمو، وعلاقات خارجية متوازنة.

وربط بين هذا المسار والانسحاب الأميركي. وشدد رئيس الوزراء على أن الحكومة ماضية في هذا المسار عبر الأدوات القانونية، ومن خلال تعزيز قدرات القوات الأمنية، وخلق بيئة سياسية داعمة لسيادة القانون. هذا الخطاب، حين يصدر عن رئيس حكومة، لا يمكن قراءته بوصفه تصريحا عابرا، بل إعلانا واضحا عن فلسفة حكم.

سيادة تعيد تعريف العلاقة مع الخارج
لكن الإنجاز الأمني للسوداني لا يتوقف عند الداخل، فالرجل فهم مبكرا أن السيادة لا تكتمل من دون إعادة تعريف العلاقة مع الخارج، ولا سيما مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. ومن هنا جاء الدور المحوري للسوداني في التأسيس لمهمة إنهاء التحالف الدولي في العراق، لا عبر القطيعة أو التصعيد، بل عبر التفاوض السياسي الهادئ، والانتقال المنظم من منطق "التحالف العسكري" إلى مفهوم "الشراكة المتعددة الأبعاد".

نهاية وجود التحالف
وبعد لقائه مع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في أبريل (نيسان) من العام الماضي، خرج البيان المشترك ليعلن أن وجود التحالف الدولي في العراق بات مرتبطا بمرحلة استشارية محددة زمنيا، وأن الجانبين اتفقا على بدء حوار لإنهاء المهام القتالية للتحالف، والانتقال إلى إطار تعاون ثنائي يركز على التدريب، والدعم الفني، والتعاون الاقتصادي، والسياسي. هذا الإعلان لم يكن تفصيلا بروتوكوليا، بل لحظة مفصلية أعادت صياغة العلاقة مع واشنطن، وأكدت أن العراق لم يعد ساحة مفتوحة، بل دولة تفاوض باسم سيادتها.

وفي أغسطس (آب) الماضي وقبل الموعد المتفق عليه مع واشنطن بدأت الولايات المتحدة الأميركية بتسريع عملية سحب قواتها من العراق، حيث شرعت في نقل جنودها من قاعدتي عين الأسد وفكتوريا إلى أربيل ودولة عربية مجاورة، في تكليل لجهود السوداني في إعادة رسم العلاقة وإعلان بان رؤيته أتت ثمارها.

تحويل البوصلة نحة الاقتصاد والاستثمار
الأهم من ذلك أن السوداني لم يحصر علاقته مع الغرب في البعد الأمني. على العكس، عمل على تحويل بوصلة العلاقة نحو الاقتصاد، والاستثمار، والطاقة، والإصلاح المالي، والسياسة المتوازنة. لقد أراد للعراق أن يتم التعامل معه كشريك ودولة فرص، لا كملف أمني وساحة أزمات. وهذا التحول في الخطاب والممارسة هو بحد ذاته إنجاز سيادي، لأنه يخرج العراق من دائرة الوصاية إلى فضاء الدولة القوية.

إن ما بناه السوداني في ملف حصر السلاح، وفي مسار إنهاء التحالف الدولي، ليس نتاج قرارات معزولة، بل نتيجة رؤية متكاملة لدولة تريد أن تمسك بزمام أمرها. دولة لا تسمح بازدواج القرار، ولا تقبل أن تكون رهينة لأي وجود غير منظم، داخليا كان أم خارجيا. ولهذا، فإن هذه المنجزات لا تقبل المزايدة، لأنها لم ترتكز إلى حسابات شخصية، بل قامت على أساس مصلحة العراق وأمنه واستقراره.

السوداني "رجل دولة"
وفي المحصلة، فإن تجربة محمد شياع السوداني في إدارة الملفات الأمنية والسيادية تكشف عن رجل دولة يفضل البناء الهادئ على الصدام، ويؤمن فرض السيادة يقوم على العقل قبل القوة، ويعتمد على المؤسسات بعيدا عن الشعارات.

قضية حصر السلاح بيد الدولة لم تعد وعدا مؤجلا، بل مسارا واضح المعالم، تتقدم فيه الدولة خطوة بعد أخرى، بثقة وثبات. أما إنهاء مهمة التحالف الدولي، فقد انتقل من كونه مطلبا سياسيا إلى عملية تشهد خطوات ملموسة ومحسوبة، أعادت ترتيب العلاقة مع الولايات المتحدة والغرب على أسس جديدة، قوامها الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. هكذا، يرسم السوداني ملامح مرحلة مختلفة: مرحلة لا مكان فيها لتعدد مراكز القرار، ولا مجال فيها للمزايدة على منجزات تحققت باسم الدولة، ولصالح الدولة، ومن أجل مستقبلها.

Advertisements

قد تقرأ أيضا