كتبت: ياسمين عمرو في الخميس 16 أكتوبر 2025 06:59 صباحاً - تُعتبر المدرسة بيئة محورية في حياة الطفل؛ حيث تُشكل مساحة للتعلّم والنمو والتطور الاجتماعي. ومع ذلك، فهي ليست دائماً مصدراً إيجابياً للجميع؛ إذ قد تُشكل لدى بعض الأطفال مصدراً للضغوط النفسية والمشكلات العاطفية. فالتحديات التي يواجهها الطفل داخل المدرسة، سواء كانت أكاديمية أو اجتماعية أو سلوكية، قد تؤثر بشكل كبير على صحته النفسية وتوازنه العام. من هنا، تبرز أهمية وعي الأهل والمعلمين بهذه المشكلات وتأثيراتها وطرق التعامل معها بفعالية. وفهم هذه التحديات هو الخطوة الأولى نحو دعم الطفل. ويتطلب ذلك بيئة مدرسية داعمة، واستماعاً واعياً من الأهل، وتعاوناً وثيقاً بين الأسرة والمدرسة، بالإضافة إلى الاستعانة بأخصائيين نفسيين أو تربويين عند الحاجة؛ لضمان نشأة الطفل في مناخ نفسي صحي يُعزز ثقته بنفسه وقدرته على النجاح والتكيّف.

مشاكل يعاني منها الأطفال
وفيما يلي بعض المشكلات النفسية التي قد يواجهها أطفال المدارس، كما توردها دكتورة نهاد أحمد طلحة، وهي طبيبة نفسية متخصصة في مركز ميدكير الطبي
اضطرابات القلق:

يُعاني الكثير من الطلبة من مستويات مرتفعة من التوتر نتيجة الضغط الدراسي، والخوف من الفشل، والقلق الاجتماعي. ويُعد القلق من الامتحانات مثالاً شائعاً؛ حيث يشعر الطفل بخوف مفرط من الأداء الضعيف، ما قد يدفعه إلى تجنّب المشاركة الصفية أو حتى المدرسة بالكامل.
الاكتئاب:
قد يُصاب بعض الطلبة بمشاعر حزن عميق، أو فقدان الحافز، أو انخفاض تقدير الذات، نتيجة عوامل متعددة مثل التنمّر، أو الصعوبات الأكاديمية، أو العزلة الاجتماعية. الاكتئاب في سن المدرسة غالباً ما يُعبَّر عنه من خلال تغيرات في السلوك مثل الانسحاب، البكاء المتكرر، فقدان الاهتمام بالأنشطة، أو حتى التغير في الشهية والنوم.
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه:
يُعد من الاضطرابات الشائعة بين الأطفال في سن المدرسة، ويتميز بـصعوبة في التركيز، وفرط في النشاط الحركي، وتصرفات اندفاعية. هذه الأعراض تُؤثر بشكل مباشر على قدرة الطفل على التركيز داخل الصف، واستيعاب التعليمات، والجلوس لفترات طويلة، مما يؤدي إلى تراجع في الأداء الأكاديمي، وسوء فهم من قبل المعلمين، وأحياناً توتر في علاقاته مع أقرانه بسبب سلوكيات غير مقصودة.
صعوبات التعلم:
مثل عسر القراءة عند الطفل أو عسر الحساب، وهي حالات قد تمر دون تشخيص دقيق، مما يُعرّض الطفل للشعور بالإحباط والخجل من الذات نتيجة الفشل المتكرر رغم بذله جهداً كبيراً. وغالباً ما يُساء تفسير هذه الصعوبات على أنها كسل أو عدم اهتمام، ما يؤدي إلى مشكلات سلوكية وفقدان الدافعية للتعلّم.
التنمّر والصراعات بين الأقران:
يُشكّل التنمّر، سواء كان لفظياً أو جسدياً أو إلكترونياً، أحد أكثر مصادر الضغط النفسي التي يواجهها الطلبة في البيئة المدرسية. والتعرض المستمر للتنمّر يمكن أن يؤدي إلى القلق، وفقدان الثقة بالنفس، والانسحاب الاجتماعي، وتراجع الأداء الأكاديمي.
الصدمة النفسية واضطراب ما بعد الصدمة:
التعرّض لتجارب مؤلمة مثل العنف، الإهمال، المشاكل الأسرية، أو حوادث صادمة داخل المدرسة، قد يُخلّف آثاراً نفسية عميقة لدى الطفل. وقد تظهر أعراض اضطراب ما بعد الصدمة على شكل كوابيس، نوبات غضب، فرط يقظة، صعوبة في التركيز، أو ردود فعل عاطفية غير متوقعة.
التحديات الاجتماعية والعاطفية:
قد يواجه بعض الأطفال صعوبات في تكوين صداقات أو الاندماج في محيطهم الاجتماعي، ما قد يؤدي إلى شعورهم بالعزلة أو الرفض. كما قد يفتقرون إلى المهارات اللازمة للتعامل مع مشاعر الأطفال أو التعبير عنها بطريقة صحية، مما ينعكس على سلوكهم ويؤدي في بعض الحالات إلى مشكلات سلوكية أو انفعالية.
أسباب أمراض الأطفال النفسية والعقلية.. وعلاماتها وسُبل علاجها
ما أثر المشاكل النفسية على التطوّر الأكاديمي والشخصي للطفل؟

تُعد التحديات النفسية التي يواجهها الأطفال في البيئة المدرسية من العوامل المؤثرة بشكل كبير على نموهم الأكاديمي والشخصي، وتشمل هذه التأثيرات ما يلي:
تعيق قدرة الطفل على التركيز: تؤثر مباشرة على الأداء الأكاديمي بحيث تسبب القلق، الاكتئاب، وصعوبات التعلم عند الطفل وهي من أبرز المشكلات التي قد تعيق قدرة الطفل على التركيز، أو استيعاب المعلومات، أو حتى التحفيز الذاتي للتعلّم.
تتسبب بالعناد: قد يلجأ بعض الأطفال إلى سلوكيات غير معتادة مثل العناد، أو لفت الانتباه بطريقة سلبية، أو حتى الانعزال الكامل، كرد فعل غير مباشر على معاناة داخلية غير مُعبَّر عنها.
صعوبة في تكوين صداقات: عندما يواجه الطفل صعوبة في تكوين صداقات أو الاندماج مع أقرانه، قد يشعر بالوحدة والانعزال، ما يؤثر سلباً على ثقته بنفسه، ويجعله متردداً في المشاركة بالأنشطة الجماعية داخل المدرسة أو خارجها.
تؤثر على الصحة الجسدية: الضغوط النفسية المستمرة والقلق المزمن لا تؤثر فقط على الحالة النفسية، بل تنعكس أيضاً على الصحة الجسدية للأطفال. فقد يعانون من صداع متكرر، أو آلام في المعدة عند الطفل، أو اضطرابات في النوم، إلى جانب ضعف في جهاز المناعة، مما يجعلهم أكثر عُرضة للأمراض.
لها مخاطر على الصحة النفسية على المدى البعيد: في حال لم يتم التعامل مع المشكلات النفسية في مرحلة الطفولة بالشكل المناسب، فقد تتطور مع مرور الوقت إلى اضطرابات أكثر تعقيداً في مرحلة المراهقة أو حتى في مرحلة البلوغ، مثل الاكتئاب الحاد، اضطرابات القلق، أو مشكلات في العلاقات والسلوك.
استراتيجيات علاج ودعم المشكلات النفسية لدى أطفال المدارس

يستدعي التعامل مع المشكلات النفسية لدى الأطفال في سن المدرسة اتباع نهج شامل وتكاملي، تتعاون فيه الأسرة والمدرسة والجهات المختصة بالصحة النفسية، لضمان توفير الدعم اللازم في الوقت المناسب، ويكون ذلك بالخطوات الآتية:
الرصد المبكر والتدخل السريع:
من الضروري تدريب الأهل والمعلمين على التعرف إلى العلامات المبكرة للمشكلات النفسية، مثل التقلبات المزاجية المفاجئة، تراجع الأداء الدراسي، أو الانعزال الاجتماعي. ويمكن للمدارس أن تلعب دوراً محورياً من خلال إجراء تقييمات دورية للصحة النفسية، وتوفير إمكانية الوصول إلى اختصاصيي الإرشاد النفسي أو المرشدين الاجتماعيين داخل البيئة المدرسية.
بناء بيئة مدرسية داعمة:
ينبغي أن تلتزم المدارس بتهيئة بيئة تعليمية آمنة، دامجة، ومليئة بالتعاطف، يشعر فيها الطلاب بالتقدير والفهم. وتُعد البرامج المناهضة للتنمّر، والمبادرات التي تُعزّز التوجيه بين الأقران، ومناهج "التعلم الاجتماعي والعاطفي"، من الأدوات الفعالة في تعزيز المرونة النفسية لدى الطلاب وتنمية مهارات التعاطف والتواصل البنّاء فيما بينهم.
رسم خطط تعليمية مخصصة:
بالنسبة للأطفال الذين يعانون من اضطرابات التعلم أو فرط الحركة وتشتت الانتباه، يمكن أن تساعد الخطط التعليمية الفردية في تلبية احتياجاتهم من خلال تكييف الواجبات الدراسية، أو منحهم وقتاً إضافياً أثناء الاختبارات، أو توفير دعم فردي مباشر داخل الصف.
تطبيق الأساليب العلاجية النفسية:
يُعد العلاج السلوكي المعرفي من أكثر الأساليب فاعلية في التعامل مع حالات القلق والاكتئاب لدى الأطفال.
إشراك الوالدين ومقدمي الرعاية:
يُشكّل الحوار المفتوح بين الطفل ووالديه ركيزة أساسية لفهم حالته النفسية وتقديم الدعم المناسب له. ومن الضروري أن يُبدي الأهل تفهّماً لمشاعر الطفل دون الإفراط في الضغط عليه لتحقيق نتائج دراسية مثالية.
اللجوء للعلاج الدوائي:
في بعض الحالات، مثل اضطرابات فرط الحركة، أو القلق الحاد، أو الاكتئاب، قد يكون من الضروري اللجوء إلى الأدوية بإشراف طبيب نفسي متخصص في طب الأطفال.
الدعم المجتمعي وتفاعل الأقران:
يمكن أن يكون للأنشطة الجماعية مثل لقاءات الأطفال أو مجموعات الدعم للأهالي دور مهم في تعزيز الشعور بالانتماء وتبادل الخبرات.
ويلعب المعلمون دوراً محورياً في تعزيز الصحة النفسية لدى الأطفال، فهم يمثلون خط الدفاع الأول داخل البيئة المدرسية. ومن خلال بناء علاقات قائمة على الثقة مع الطلاب، وتوفير الدعم العاطفي، والعمل بالتعاون مع المتخصصين في الصحة النفسية، يمكنهم المساهمة الفعّالة في مساعدة الطلبة على مواجهة التحديات التي تعترض طريقهم. كما ينبغي على المدارس أن تولي أهمية كبرى لتدريب كوادرها التعليمية والإدارية على مبادئ التوعية بالصحة النفسية، وتطبيق أساليب تدريس تراعي آثار الصدمات النفسية.
نصيحة دكتورة نهاد
تُعد المشكلات النفسية في مرحلة الطفولة ضمن بيئة المدرسة أكثر شيوعاً مما يعتقده الكثيرون، وقد تترك آثاراً عميقة على حياة الطفل؛ إذا لم يُلتفت إليها في الوقت المناسب. إلا أن التدخل المبكر، والدعم العاطفي من الكبار، والعلاج المناسب، يمكن أن يُحدث فرقاً حقيقياً في مسار حياة الطفل، ويساعده على تجاوز الصعوبات والمضي قدماً نحو النجاح الأكاديمي والاستقرار النفسي والاجتماعي.
*ملاحظة من «الخليج 365»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.
