شكرا لقرائتكم خبر عن الخام الأمريكي قرب أدنى مستوى في 5 سنوات وبرنت دون 59 دولاراً والان مع بالتفاصيل
دبي - بسام راشد - أخبار الفوركس اليوم في تحول لافت، أصبحت دولة غيانا الصغيرة في أمريكا الجنوبية، والتي كانت حتى وقت قريب واحدة من أفقر دول القارة، ضمن أغنى 10 دول في العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ففي غضون عقد واحد فقط، انتقلت غيانا من مرحلة الاكتشاف الأول للنفط إلى إنتاج يقارب 900 ألف برميل من النفط الخام يومياً من حقل ستابروك (Stabroek Block) البالغة مساحته 6.6 ملايين فدان. وقد تحقق هذا الإنجاز على الرغم من اتفاقية غير متوازنة تصب في مصلحة الكونسورتيوم الذي تقوده إكسون موبيل (ExxonMobil) والمسيطر على الامتياز النفطي، إلا أن ذلك أسفر عن طفرة اقتصادية هائلة. غير أن هذه الوتيرة السريعة من النمو والدخل الضخم المتأتي من النفط تثير مخاوف من أن تتعرض غيانا لما يُعرف بـ «لعنة النفط».
وفي تصنيف حديث لأغنى دول العالم استناداً إلى توقعات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025 وفق تعادل القوة الشرائية للفرد، جاءت غيانا في المركز العاشر عالمياً، مقارنة بالمركز 107 قبل عقد من الزمن. وبذلك حلت المستعمرة البريطانية السابقة خلف دول ثرية مثل بروناي وسويسرا والنرويج، لكنها تقدمت بشكل مفاجئ على الولايات المتحدة الأميركية، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وقد شهد الناتج المحلي الإجمالي لغيانا وفق تعادل القوة الشرائية قفزة هائلة منذ بدء إنتاج النفط في ديسمبر 2019. ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي سبعة أضعاف، من 10.69 مليارات دولار في ذلك العام إلى 75.24 مليار دولار متوقعة بحلول عام 2025.
وقد جعل هذا التوسع الاقتصادي الضخم غيانا، لفترة وجيزة، أسرع اقتصاد نمواً في العالم. فخلال الفترة من 2022 إلى 2024، سجلت الدولة التي يقل عدد سكانها عن مليون نسمة معدلات نمو سنوية بلغت 63.3% و33.8% و43.6% على التوالي، وهي الأعلى عالمياً في كل من تلك السنوات.
ورغم تباطؤ النمو خلال الأشهر الأخيرة، وذلك على الرغم من زيادة إنتاج النفط مع بدء تشغيل مشروع Yellowtail، فمن المتوقع أن ينمو اقتصاد غيانا بنسبة 10.3% في عام 2025، ما يجعلها ثالث أسرع اقتصاد نمواً في العالم هذا العام.
وتُظهر أحدث البيانات الحكومية أن غيانا تنتج حالياً نحو 900 ألف برميل يومياً، ما يجعلها ثالث أكبر منتج للنفط في أميركا الجنوبية بعد البرازيل وفنزويلا. ومن المتوقع أن يواصل الإنتاج النفطي نموه مع تطوير شركة إكسون لثلاثة مشاريع إضافية في حقل ستابروك، وهي مشاريع Uaru وWhiptail وHammerhead، إلى جانب منشأة رابعة مقترحة تحمل اسم Longtail لا تزال خاضعة للمراجعة التنظيمية.
وعند اكتمال هذه المشاريع الثلاثة، التي يُتوقع بدء تشغيلها بين 2026 و2029، ستضيف طاقة إنتاجية تبلغ 650 ألف برميل يومياً، لترفع إجمالي الطاقة الإنتاجية المحتملة لغيانا إلى نحو 1.5 مليون برميل يومياً.
وهناك منشأة رابعة قيد التطوير لكنها لم تحصل بعد على الموافقة النهائية، وهي مشروع Longtail المكتشف في عام 2018، والذي يُعد الاكتشاف الرابع للكونسورتيوم الذي تقوده إكسون في حقل ستابروك. وعلى خلاف المشاريع السابقة، سيكون مشروع Longtail، الذي تبلغ كلفته 12.5 مليار دولار، منشأة لإنتاج الغاز الطبيعي والمكثفات. ويخضع المشروع حالياً لإجراءات التقييم البيئي، وتتوقع إكسون اتخاذ قرار الاستثمار النهائي (FID) بحلول نهاية عام 2026. وفي حال الموافقة عليه، من المنتظر أن يبدأ تشغيله في عام 2030، مضيفاً ما يصل إلى 1.5 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي يومياً و290 ألف برميل من المكثفات، ما سيرفع إجمالي إنتاج غيانا من الهيدروكربونات إلى أكثر من 1.7 مليون برميل يومياً.
ومع دخول هذه الأصول النفطية البحرية حيز التشغيل، سيعزز النفط المنتج الناتج المحلي الإجمالي للمستعمرة البريطانية السابقة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لغيانا، وفق تعادل القوة الشرائية، الضعف بين 2025 و2030، ليرتفع من 75 مليار دولار إلى 156 مليار دولار. وبالنسبة لدولة يقل عدد سكانها عن مليون نسمة، فإن ذلك يعادل نصيب فرد من الناتج المحلي الإجمالي يقترب من 193 ألف دولار. ووفق هذا المقياس، ستصبح غيانا ثاني أغنى دولة في العالم بعد ليختنشتاين وقبل سنغافورة. غير أن هذا التركّز الهائل للثروة الناتجة عن مورد واحد فقط، وهو النفط، يثير مخاوف كبيرة من تعرض غيانا لـ لعنة النفط.
وتشير «لعنة النفط» إلى ظاهرة تصبح فيها الدول الغنية بالموارد النفطية معتمدة اقتصادياً ومالياً بشكل مفرط على النفط الخام، وهو ما يؤدي غالباً إلى ضعف الحوكمة، وانتشار الفساد، وسوء الإدارة، وتراجع الديمقراطية، وعدم الاستقرار السياسي، وفي نهاية المطاف اندلاع الصراعات الداخلية. ويُعد فنزويلا مثالاً بارزاً على هذه الظاهرة، إذ أدى الاعتماد المفرط على النفط على مدى عقود إلى تقويض التنمية الاقتصادية، وزعزعة استقرار البلاد، وانتهى الأمر بديكتاتورية وانهيار اقتصادي.
وفي هذا السياق، أصبح حقل ستابروك، الذي يُقدَّر أنه يحتوي على ما لا يقل عن 11 مليار برميل من الموارد النفطية القابلة للاستخراج، هدفاً لمدينة كاراكاس. فبعد أن أعلنت إكسون عن سلسلة من الاكتشافات النفطية العالمية المستوى في المياه البحرية، صعّد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من لهجته العدائية وتهديداته، في إطار مساعيه لاستعادة السيطرة على إقليم إيسيكيبو (Essequibo) المتنازع عليه منذ فترة طويلة. ويعادل هذا الإقليم في مساحته تقريباً ولاية جورجيا الأميركية، ويمثل ثلثي مساحة غيانا، كما يزخر بالمعادن النفيسة والماس والنحاس والحديد والألمنيوم والبوكسيت والمنغنيز.
ويقع حقل ستابروك الغزير في المياه الإقليمية لغيانا ضمن منطقة إيسيكيبو المتنازع عليها، والتي تطالب بها فنزويلا منذ استقلالها. وخلال السنوات الثلاث الماضية، كثّفت كاراكاس حملتها لاستعادة السيطرة على الإقليم، بل وهددت بغزوه. وتشهد الحدود بين البلدين في إيسيكيبو اشتباكات متكررة بين الجيش الغياني وعصابات فنزويلية، كما دخلت سفن عسكرية فنزويلية إلى حقل ستابروك لتحرش وتهديد أطقم سفن الإنتاج والتخزين والتفريغ العائمة (FPSOs) العاملة هناك.
وتتزايد المخاوف من أن غيانا، باعتبارها دولة نامية لها تاريخ من الفساد، تفتقر إلى الحوكمة الرشيدة والاستقرار المؤسسي اللازمين لإدارة هذه الطفرة الاقتصادية الضخمة التي يولدها هذا الازدهار النفطي غير المسبوق. وبدأت بالفعل تبرز تساؤلات حول كيفية إنفاق العاصمة جورجتاون للأرباح النفطية الضخمة المتدفقة إلى خزائن الدولة. فقد أطلقت الحكومة برنامجاً واسعاً للبنية التحتية، ورصدت 1.2 مليار دولار للأشغال العامة في عام 2025 لتمويل طرق وجسور جديدة، وتطوير ميناء أعماق عالمياً، إضافة إلى مرافق عامة مثل المستشفيات. ومع ذلك، تسود مخاوف كبيرة من أن العديد من المواطنين الغيانيين لا يستفيدون من هذه الطفرة الاقتصادية الهائلة.
وعلى الرغم من النمو الاقتصادي السريع، لا يزال جزء كبير من السكان يعيش تحت خط الفقر. ويقدّر محللون أن ما يصل إلى 58% من سكان غيانا يعيشون تحت خط الفقر، رغم صعوبة تحديد رقم دقيق بسبب نقص البيانات الرسمية. وكان البنك الدولي قد قدّر في عام 2019 أن 48% من السكان يعيشون تحت خط الفقر. ويؤكد قادة مجتمعيون أن عائدات النفط لم تصل بعد إلى أفقر المجتمعات، خصوصاً في المناطق الريفية.
وتتفاقم هذه المخاوف مع تزايد اعتماد جورجتاون على أسواق الطاقة العالمية المتقلبة، في وقت تبدو فيه آفاق أسعار النفط قاتمة. فقد انخفض سعر خام برنت القياسي العالمي بنسبة 17% خلال العام الماضي، ما يؤثر بشدة على الإيرادات النفطية. ويتوقع محللون في مؤسسات مالية كبرى أن تهبط أسعار برنت إلى نطاق 30 دولاراً للبرميل بحلول عام 2027 بسبب فائض المعروض العالمي. وليس من المستغرب أن يكون التطوير السريع لحقول غيانا البحرية أحد العوامل الرئيسية وراء الزيادة الكبيرة في نمو الإمدادات العالمية خارج أوبك.
وسيؤثر ذلك بشكل حاد على الثروة النفطية الجديدة لغيانا. فمع تراجع أسعار النفط العالمية نتيجة فائض المعروض، ستتقلص إيرادات البلاد النفطية، ويتفاقم ذلك بسبب تصنيف 75% من النفط المنتج من حقل ستابروك كنفط تكاليف، ما يعني استبعاده من حسابات الإتاوات وتقاسم الأرباح مع غيانا. ورغم أن ذلك قد لا يكون كافياً لإحداث صدمة فورية في الطفرة الاقتصادية الحالية، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر تفشي الفساد وسوء الإدارة، وخلق تنمية غير متوازنة، وإلحاق الضرر باقتصاد يزداد اعتماداً على النفط يوماً بعد يوم.
