يمرر ملايين البشر هواتفهم على مربع من النقاط السوداء والبيضاء دون تفكير، قلة فقط تتوقف لتسأل أبسط سؤال: من ابتكر هذا الجسر بين الشىء المادى -الملموس- والعالم الرقمى؟
فخلف كل رمز استجابة سريعة -QR Code- على قائمة طعام أو تذكرة سفر أو بطاقة ضريبية أو على غلاف مجلة أو منتج ما، تكمن رؤية رجل واحد، مهندس نظر إلى لعبة طفولية فرأى فيها مستقبل المعلومة. وباختراعه أعاد تشكيل الطريقة التي يتواصل ويتفاعل بها البشر.
وُلد «ماساهيرو هارا» عام 1957، بمدينة طوكيو اليابانية، حيث كانت البلاد ما زالت تتعافى من تبعات الحرب العالمية الثانية، وتبنى نهضة صناعية واقتصادية غير مسبوقة. نشأ فى بيئة جعلت من الإبداع والالتزام قيمتين متأصلتين فى شخصيته، فكان التعليم هو الجسر الأوسع نحو المستقبل. ومنذ صغره كان شغوفًا بالرياضيات والمنطق، ووجد فى الألغاز والألعاب الذهنية مساحة للتفكير العميق والابتكار. تلك الميول المبكرة زرعت البذور التي سوف تزدهر لاحقًا فى مشروعه التقنى الكبير.
بدأ هارا مساره التعليمى فى مدرسة «هوسى» الثانوية باليابان، ثم التحق بكلية الهندسة فى جامعة «هوسى»، حيث درس الهندسة الكهربائية والإلكترونية. وعندما تخرج عام 1980، كان يحمل أساسًا تقنيًا متينًا إلى جانب الانضباط الهادئ لشخص تعلم أن يجد التميُّز فى الدقة.
فى العام نفسه، انضم إلى شركة «دينسو ويف»، التابعة لمجموعة تويوتا موتور. فقد كانت مهامه الأولى فى مجال ماسحات الباركود وأنظمة التعرف البصرى على الأحرف. وهى تقنيات مثلت -آنذاك الجهاز العصبى للإنتاج الصناعي، تحدد وتتتبع وتحافظ على النظام فى خطوط التجميع الكبيرة. وبذلك أصبح هارا، وهو فى العشرينات من عمره، فى قلب الثورة الصناعية اليابانية.
ومع التطور السريع فى خطوط الإنتاج وتزايد تعقيداتها، لم يعد الباركود التقليدى قادرًا على استيعاب البيانات المطلوبة لتتبع قطع السيارات. فكان المطلوب نظامًا جديدًا، أكثر قدرة على حمل المعلومات، وأسرع فى المسح، وأكثر صمودًا أمام أخطاء الاستخدام.
وفى عام 1992، كلف هارا وزميل واحد فقط بابتكار الحل. وهناك استحضر هارا دروس لعبة «جو»، تلك الحجارة السوداء والبيضاء التي تُوضع بصبر على شبكة مربعة، وتخيّل رمزًا ليس خطيًا، بل شبكة ثنائية الأبعاد تنتشر فيها المعلومات، ويمكن قراءتها من أى زاوية، وتستعيد بياناتها حتى وإن تلف جزء منها.
وبعد عامين من التجارب، وُلد الاختراع. ففى عام 1994، أعلنت «دينسو» عن رمز الاستجابة السريعة. فقد كان ثوريًا حينها، حيث أنه يستطيع تخزين حجم معلومات يصل إلى مئات المرات أكثر من الباركود التقليدى، ويُقرأ بسرعة خاطفة، ويُوجه قارئه عبر المربعات الثلاثة المميزة فى زواياه.
ولكن الأهم من ذلك، كان قرار الشركة بعدم احتكار الاختراع. جعلت «دينسو» الرمز معيارًا مفتوحًا بلا رسوم ترخيص، فانتقل من أرضيات المصانع إلى أيدى المسوقين والتقنيين، ثم إلى مليارات البشر عبر هواتفهم الذكية. وبحلول الألفية الجديدة، صار مطبوعًا على العبوات والإعلانات والتذاكر، وحين اجتاح العالم جائحة كوفيد-19 عام 2020، أصبح شريان حياة للقوائم غير المتلامسة والمدفوعات الرقمية. كما أصبح متاحًا مجانيًا بشكل مبسط بين أدوات وبرامج مختلفة، مثل الأداة المتوفرة بمتصفح «جوجل».
وفى عام 2023، نال هارا التكريم والاعتراف، فمُنح درجات فخرية، وتلقى جائزة الإمبراطور والجائزة الأكاديمية اليابانية، واحتُفى به عالميًا باعتباره الرجل الذي أعاد بصمت تشكيل إيقاع الحياة اليومية.
ومع ذلك، ظل متواضعًا، ينسب نجاحه إلى صبر لعبة «جو»، وانضباط الهندسة، والقدرة على النظر إلى المشكلات من زوايا متعددة.
اليوم، ما زال «ماساهيرو هارا» مرتبطًا بشركة «دينسو ويف»، حيث يتم تطوير رمز الاستجابة السريعة إلى نسخ أكثر أمانًا وألوانًا وتطبيقات غير مسبوقة. غير أن إرثه كتب بالفعل فى مربعات صغيرة لا تحصى، تربط المادى بالرقمى، والحاضر بالممكن.
رحلة هارا ليست مجرد حكاية عن رمز؛ إنها تذكير بأن أبسط اللحظات قد تكون فى لعبة طفولة، أو مشكلة متكررة فى العمل، أو ومضة خيال، فتتحول إلى فكرة تغير العالم. وربما يحمل كل واحد منا بذرة مشابهة تنتظر أن تُروى بالجهد والشغف.
عادل حافظ – بوابة روز اليوسف
كانت هذه تفاصيل خبر الجسر الصامت لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.