اخبار العالم / أخبار السودان اليوم

واشنطن وإفريقيا.. تحول براغماتي أم إعادة تموضع؟

  • واشنطن وإفريقيا.. تحول براغماتي أم إعادة تموضع؟ 1/3
  • واشنطن وإفريقيا.. تحول براغماتي أم إعادة تموضع؟ 2/3
  • واشنطن وإفريقيا.. تحول براغماتي أم إعادة تموضع؟ 3/3

هل تعيد الولايات المتحدة تموضعها في القارة الإفريقية عبر مسارات الوساطة المتكرّرة في الأزمات الممتدة.. من ليبيا إلى شرق الكونغو، ومن سدّ النهضة إلى السودان؟

تتكرر الصيغة ذاتها: حضورٌ أمريكي سياسي يحمل معه لهجة دبلوماسية ناعمة، يتقاطع مع طرح اقتصادي أكثر جرأة من المعتاد، وذلك لأنّ المقاربات التقليدية لم تعد قادرة على مواكبة تعقيد الأزمات الممتدة، التي باتت تشترط معادلات تمويل وسلاسل قيمة تُسعِّر الاستقرار وتحوّله إلى أصل إنتاجي. لكن هل يسمح الواقع الإفريقي، بتعقيد فاعليه وتنازع شرعياته، بهذا التحويل؟ أم أننا أمام «هندسة وعود» أخرى إن غاب عنها معيار النفاذ والإنفاذ؟
يبدو أن المقاربة الأمريكية الحالية لا تستهدف فقط إدارة التفاوض بين الأطراف، بل تستند إلى فرضية أوسع: أن غياب التنمية الاقتصادية هو ما يطيل أمد النزاع، وأن ربط الوساطة بوعود النمو يمكن أن يغيّر سلوك الفاعلين. لكن هل تكفي هذه الوعود وحدها؟ وهل لدى واشنطن القدرة، أو الإرادة، لخلق توازن بين متطلبات الاستقرار السياسي ومصالحها التجارية المتصاعدة في القارة؟ ثم، هل هذه الوساطة مصممة أساساً لتقليل العنف؟ أم لضمان تدفق الموارد في مسارات مأمونة؟ في ليبيا، يظهر ذلك التداخل بوضوح، فعلى الرغم من التراجع الملحوظ في الدور الأمريكي منذ ما بعد مؤتمر برلين، عادت واشنطن ببطء ولكن بثبات إلى مسار الوساطة، ليس عبر الحل السياسي الصرف، بل من بوابة المؤسسات السيادية: البنك المركزي، ومؤسسة النفط، وترتيبات الإنفاق العام. وهنا يطرح سؤال جوهري: هل تنجح الولايات المتحدة في دفع الأطراف نحو مسار اقتصادي مشترك يُستخدم كضامن للاستقرار؟ أم أن التركيز على إدارة الموارد سيُحوّل الاقتصاد إلى ساحة نزاع جديدة بدل أن يكون منصة تهدئة؟ وهل يمكن الدفع باتجاه وحدة مؤسساتية فاعلة في بيئة لا تزال ترتيبات القوة فيها متداخلة ومتعددة الأقطاب؟

وفي ملف سد النهضة، تبدو المقاربة الأمريكية أكثر حذراً. فبعد إخفاق محاولات الضغط المباشر على إثيوبيا، لجأت واشنطن إلى صيغة موازية: دعم فني، وتشجيع على الربط الكهربائي، وتلميحات متكررة إلى فرص تمويل إقليمي مشروط بالتوافق. لكن هل هذه الأدوات كافية لتجاوز المعضلة الجوهرية في الملف، وهي غياب الثقة وتباين التصورات حول السيادة المائية؟ وهل يمكن بالفعل أن تتحول «الطاقة» إلى منصة تعاون، أم أن شبح التوظيف السياسي لكل متر مكعب من المياه سيبقى يحكم السلوك؟ ثم، ما مدى واقعية فرضية أن يتم ربط الأنهار بشبكات إقليمية، بينما لا تزال العواصم غير قادرة على الاتفاق حول قواعد الملء والتشغيل؟ وفي شرق الكونغو الديمقراطية، لا تقتصر الوساطة على تهدئة الاشتباك مع رواندا أو تفكيك تحالفات الجماعات المسلحة، بل ترافقها رزمة من التصريحات والمبادرات المتعلقة بممرات النقل وسلاسل التوريد للمعادن الحرجة. والسؤال هنا يتجاوز النيات: هل تسعى الولايات المتحدة إلى ضبط النزاع عبر خلق بدائل اقتصادية مشروعة؟ أم أن تدخلها محكوم باعتبارات المنافسة مع الصين، بما يجعل «السلام» مجرد منتج ثانوي في سباق استراتيجي أكبر؟ وهل تكفي الموانئ والممرات لتقليص نفوذ الشبكات المسلحة، أم أنها قد تتحول إلى فرص إضافية لتجار الحرب؟ ثم، ما مصير السكان المحليين الذين لا تُعرض عليهم الوساطة ولا العوائد، بل فقط نتائج التفاهمات العابرة فوق رؤوسهم؟ أما في السودان، فتبدو الوساطة الأمريكية أمام اختبار قاسٍ. فالمبادرات الأمريكية المتعددة، من محادثات جدة إلى العقوبات الموجهة، لم تتمكن من وقف النزاع أو حتى احتوائه. ومع ذلك، تواصل واشنطن ربط مسارات الحل بملفات إعادة الإعمار والدعم الإنساني المشروط. فهل يُمكن فصل المسار السياسي عن المسار الإنساني؟ وهل يمكن بناء استقرار اقتصادي حقيقي في ظلّ تباينات مؤسسية لم تُحسم بعد؟ وكيف يمكن ضمان توجيه المساعدات نحو مسارات تعافٍ مستدام لا تتقاطع مع ديناميات النزاع؟ ما يجمع بين هذه الملفات هو النمط نفسه: وساطة أمريكية ترافقها لغة اقتصادية، مرنة في ظاهرها، لكنها مشروطة في جوهرها. ولعل المعضلة المركزية هنا تكمن في التوقيت وغياب الضمانات. فبينما تحتاج المجتمعات إلى حلول عاجلة، تتحرك الوساطة الأمريكية ببطء، مشروطة بحسابات النفوذ، ومربوطة باعتبارات أوسع من حدود الدولة المعنية. فهل تُبنى الثقة على هذا الأساس؟ وهل ما يُعرض على العواصم الإفريقية هو شراكة حقيقية أم مجرد عقود نفاذ جديدة مغلفة بلغة الوساطة؟ في النهاية، يبقى التساؤل الأهم: ما الذي تغيّر فعلاً في الموقف الأمريكي؟ هل نحن أمام مراجعة حقيقية لأدوات القوة الناعمة ترتبط فيها الوساطة بالتمكين الاقتصادي المحلي؟ أم أن واشنطن، مثل غيرها، تحاول إنتاج خطاب وسطي يوازن بين الصورة والواقع، بين الطموح التنموي والمصلحة الجيوسياسية؟ وهل تنجح هذه الوساطات فعلاً في تخفيف النزاعات، أم أنها تُصمَّم لضبطها لا لإنهائها؟

يسرا الحربي – صحيفة الخليج
b987d315ea.jpg

صورة اسماء عثمان

اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.

كانت هذه تفاصيل خبر واشنطن وإفريقيا.. تحول براغماتي أم إعادة تموضع؟ لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.

كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.

Advertisements

قد تقرأ أيضا