منذ فجر الحضارات الفرعونية والرومانية وبلاد ما وراء النهرين وقياصرة فارس، حاز الذهب مكانته الأبدية لا بسبب تفوقه الكيميائي وخصائصه الفيزيائية ذات الاستخدامات المحدودة فحسب، بل لأنه لِحُسن حظه التاريخي اكتُشف مبكرًا في زمن سمح له بأن يتسلل إلى قصور الملوك والسلاطين، وفي طقوس المعابد والكنائس، ويتحول إلى رمز للسلطة والهيبة والقداسة الدينية، وإلى زينة على صدور حسناوات البلاط وحريم السلاطين.
ولندرته، واعتقادًا قديمًا بأن لونه يشبه الشمس والنور والخلود، بلغ ببعض الحضارات كالفرعونية أن عدته “لحم الإله”. ومع سهولة صهره وتشكيله، ترسخت صورته في الوعي البشري كأصل خالد للقيمة عبر آلاف السنين، حتى عندما ظهر معدن أكثر تفوقًا في خصائصه الفيزيائية كالبلاتين، لكنه حُرم من هذه الرمزية لأنه جاء متأخرًا في التاريخ، ولعل لونه الأبيض الفضي الهادئ لم يرتبط بأي دلالة قدسية أو أسطورية.
وعلى الجانب المقابل، يقف النفط اليتيم المظلوم؛ المورد الذي غيّر شكل العالم. فلولاه لما وُجدت الكهرباء، ولا المياه المُحلاة في عالمٍ يعاني شحًّا مائيًا، ولا صُنِع الدواء ولا توافر الغذاء، ولا قامت المصانع، ولا سارت المركبات والقطارات والسفن، ولا طارت الطائرات، ولا ازدهرت اقتصادات دول كانت صحراء قاحلة، ولا تقدمت أوطان واستغنت شعوب بفضل هذا المورد المظلوم. بل إن الذهب نفسه الذي يعتلي عرش القيمة يستهلك كميات كبيرة من النفط في عملية تعدينه واستخراجه وفصله. وأخيرًا وليس آخرًا، ما كانت التكنولوجيا الرقمية الحديثة، كالذكاء الاصطناعي لتتطور لولا الطاقة الهيدروكربونية (النفط والغاز) التي تغذي بنيتها التحتية الهائلة.
بل إن الثورة الصناعية الغربية الحديثة نفسها، من الإمبراطورية البريطانية التي أصبحت يومًا “الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس” إلى الولايات المتحدة التي ورثت زعامة العالم، ما كانت لتبلغ ذروتها لولا النفط الذي منح الآلة قوتها، والجيوش تفوقها، والاقتصادات طاقتها. ومع ذلك، بقي هذا المورد بلا رمزية ولا مكانة تليق بدوره الحيوي وأهميته.
فهو وقود الحضارة الحديثة والمستقبلية، لكنه واقع تحت ضغط أوراق السياسة لا منطق الاقتصاد، وتحت تأثير صراعات الدول الكبرى. والأهم من ذلك أن مشكلته الأساسية، في رأيي، هي وجوده في التكوينات الجيولوجية تحت باطن أرض الجزيرة العربية، وفي جغرافية قلب العالم، وعلى مقربة من أهم المضايق والممرات البحرية والبرية التي تمر عبرها تجارة الكوكب كله.
في المقابل، ينعم الذهب “المدلّل” بحياة هادئة فوق رفوف البنوك وخزائن البنوك المركزية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي وصناديق الاستثمار العالمية. يُلمَّع ويُنظَّف ويُراقَب تحت أنظمة تبريد وكاميرات المراقبة،لا يُستهلك ولا يُستنزف. والأونصة الواحدة منه قد تعادل ما يقارب خمسة وثلاثين برميلًا من النفط، ما يعكس الفارق الجوهري بين أصلٍ يُخزَّن كقيمة خالدة، وأصلٍ يُستهلك فور استخدامه.
الذهب محظوظ… والنفط يُحاسَب ويُتَّهَم ويُحارَب ويُستَخدَم كسلاحٍ في الصراعات.
حتى عندما انفصل الدولار عن الذهب، أصبح النفط هو الغطاء الحقيقي للعملة الأمريكية عبر “البترودولار”. ومنذ ذلك اليوم، بات النفط، لا الذهب، هو الذي منح الدولار ثقله العالمي. ومع ذلك، لم يتحول النفط إلى أصل قيمة نهائي، بل بقي سلعةً استراتيجية تحاول الدول الصناعية المستهلكة التحكم بسعرها ومسارها تحت شعارات زاهية مثل “الطاقة المتجددة” و”حماية المناخ” و”الحياد الكربوني الصفري”.
وهنا تبرز المفارقة
الكبرى:
الذهب محظوظ بإرثه وصولجانه التاريخي لأنه لا يفسد ولا يُستهلك، فاحتفظ برمزيته وقداسته.
والنفط مظلوم، لا لعيب فيه، بل لأنه هو الذي يشغّل العالم كله، ولأنه خرج من طبقات أراضي الجزيرة العربية، فصار هدفًا للضغوط والسياسة وحتى للقوة العسكرية.
ويبقى السؤال الجوهري الذي يراودني كثيرًا:
كما أطفأ اليابانيون بريق لؤلؤ الخليج عندما أغرقوا الأسواق ببدائلهم الصناعية كاللؤلؤ الصناعي، هل تُعيد الدول الصناعية الكبرى، خصوصًا الأوروبية منها، صياغة سوق الطاقة بالأسلوب نفسه؟
هل تحاول عبر أدوات تشريعية وتنظيمات بيئية ومناخية دولية ومعايير “الصفر كربون” والطاقة المتجددة إعادة تشكيل معادلة القيمة لإضعاف نفوذ المنتجين العرب والخليجيين وتقليص دور النفط في النظام المالي العالمي؟
في النهاية، ليست معركة النفط والغاز معركة حول “من يملك المورد” بل حول من يحدد قيمته، ومن يحدد موقعه، ومن يحدد بدائله، ومن يحدد حجمه كمًّا وزمنًا داخل النظام المالي العالمي.
م. حسن الراشد – الشرق القطرية
كانت هذه تفاصيل خبر الذهب المحظوظ والنفط المظلوم! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.
