الرياص - اسماء السيد - في جولة الصحف نستعرض أبرز ما تناوله كتّاب الرأي من موضوعات من بينها صحيفة "إندبندنت" ومقال عن كيف أصبح فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيوريورك بمثابة مأزق كبير يواجه الحزب الديمقراطي في تحديه أمام ترامب. أما صحيفة "واشنطن بوست" فتحدثت عن إعادة التفكير في خطة بيل غيتس بشأن تغير المناخ ووصفتها بـ "هدية للعالم".
نبدأ جولتنا بمقال رأي نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية للكاتبة ماري ديفيسكي بعنوان "فوز زهران ممداني ترك حزبه في موقف صعب بحجم التحديات التي تواجهه أمام ترامب" والذي تدعو فيه الكاتبة الحزب الديمقراطي، رغم نشوة الانتصار، إلى التحلي بالحذر حتى لا يختاروا مرشحاً غير مناسب عند الاستعداد لخوض سباق الانتخابات الرئاسية القادمة للبيت الأبيض.
وتقول الكاتبة إن اسم ممداني كُتب في سجلات التاريخ، فهو أصغر من تولى منصب عمدة نيويورك خلال ما يزيد على قرن، وأول مسلم يتبوأ هذا المنصب في مدينة كانت الموقع الأشد تضرراً بهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية التي نفذها إسلاميون، كما ينتمي إلى الحزب الديمقراطي، ويصف نفسه بأنه "ديمقراطي اشتراكي"، ويتبنّى أجندة سياسية يسارية، يسارية وفق المعايير الأمريكية أكثر من الأوروبية، في مدينة تُعد رمزاً عالمياً للمال والأعمال.
وتلفت الكاتبة إلى أنه أعلن بوضوح في خطاب الفوز، أن الظروف قد تكون مهيأة لمواجهة أكبر، ليست بين سياسيَّين بارعَين في التواصل ويتمتعان بدعم شعبوي، مثل ممداني ورئيس الولايات المتحدة نفسه، بل أيضاً بين العاصمة السياسية للبلاد وعاصمتها المالية، لا سيما وأن ممداني رسّخ هذا التصور في خطابه حين قال إنه واثق بأن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يستمع، ودعاه إلى "رفع مستوى الصوت".
وترى الكاتبة أنه إذا جُمعت كل عوامل نجاح ممداني، فإنها تُقدّم للديمقراطيين وصفة رائعة لتجديد الحزب قبل انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، والانتخابات الرئاسية بعد ثلاث سنوات، كما تزداد أهمية هذا الانتصار في نهاية عام بدا فيه الحزب الديمقراطي عاجزاً، ويفتقر إلى الإرادة والأفكار اللازمة لمواجهة ترامب بجدية في ولايته الثانية.
وتضيف أنه رغم وجود تيار تقليدي في الحزب يمكن ملاحظته، تظل هناك تساؤلات حول مدى إمكانية أو جدوى تحويل فوز ممداني إلى نموذج شامل لفوز الحزب الديمقراطي مستقبلاً.
وتقول الكاتبة إن سن ممداني، 34 عاماً، ربما مثّل ميزة لا عائقاً لدى الناخبين في نيويورك، وهم أصغر سناً مقارنة بالناخبين في بقية الولايات، فتلك الفئة العمرية للناخبين في نيويورك تشكل ما يزيد على ربع سكان المدينة، التي تُصبح فيها قضية القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة، وهي محور حملة ممداني التي تتضمن أيضاً رعاية مجانية للأطفال، والانتقال المجاني بالحافلات، وتجميداً للإيجارات الخاضعة للرقابة، ذات أهمية بالغة.
والرسالة الموجهة إلى الحزب الديمقراطي، بحسب رأي الكاتبة، قد تكمن في أن المطلوب حالياً ليس استقطاب الشباب لذاتهم، بل تفادي الظهور بمظهر المتحجر الملتصق بالماضي، والبحث عن أفكار جديدة، لذا قد يشير فوز الديمقراطيين في انتخاب حكام الولايات إلى بداية تحول سياسي محتمل في الولايات المتحدة، حيث يبحث الناخبون عن وسيلة لمواجهة ترامب وأيديولوجيته، في ظل دخوله السنة الثانية من ولايته. ومع ذلك، قد تكون المهمة أمام الديمقراطيين أكثر تعقيداً من مجرد استعادة الثقة لمعارضة تيار ترامب.
وتقول الكاتبة إنه بالنسبة لجزء من الناخبين، كانت مصداقية ممداني وثباته السياسي وفهمه للناس العاديين واهتماماتهم، بالإضافة إلى قدرته على التواصل مع جميع فئات المجتمع، سبباً رئيسياً لاختيارهم له، ومن هذا المنطلق، يحتاج الحزب الديمقراطي إلى شخصيات جذابة وعدد أكبر من الحملات الانتخابية المؤثرة وبسرعة.
كما تلفت الكاتبة إلى أن ممداني يواجه اختباراً بالغ الأهمية أيضاً، فالعديد من الوعود التي قدمها ليست بقدرته وحده أن يحققها، حتى بصفته عمدة نيويورك، إذ سيحتاج إلى موارد وتعاون الولاية والمؤسسات الأخرى، فضلاً عن ذلك لم يكن ترامب يمزح عندما هدّد بتقليص التمويل الفيدرالي لمدينة نيويورك إلى الحد الأدنى في حال انتخاب ممداني.
ولكي ينجح ممداني، ليس فقط كعمدة، بل كنموذج محتمل لمستقبل الحزب الديمقراطي، يجب عليه أن يُثبت سريعاً، على الأقل، قابلية سياساته للتنفيذ، لا سيما وأن بعض الأكاديميين سخروا من إحدى الركائز الأساسية لبرنامجه، وهو اقتراح خفض تكلفة المعيشة عبر افتتاح متاجر حكومية، معتبرين أنه يغفل المبادئ الاقتصادية الأساسية.
وختاماً ترى الكاتبة، ماري ديفيسكي، أنه في حال فشل في تنفيذ العناصر الجوهرية لبرنامجه لأي سبب كان، فسوف يؤيد بذلك موقف العديد من الديمقراطيين التقليديين الذين يرون أن برنامجه "انحراف يساري" مفرط، ويعيد الحزب إلى مساره المألوف.
"هدية للعالم"
نختتم جولتنا بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ومقال رأي كتبه جورج إف ويل بعنوان "إعادة تفكير بيل غيتس في المناخ هدية للعالم"، ويستهله الكاتب بالإشارة إلى أن غيتس دعا، في منشور على الإنترنت، إلى إعادة تقييم أهمية تغيّر المناخ بالمقارنة بالاستثمارات المحتملة الأخرى لموارد المجتمع المحدودة من وقت واهتمام ومال، خصوصاً مقارنةً بما يمكننا عمله بالفعل، مثل تصنيع وتوزيع اللقاحات الفعّالة.
ويرى الكاتب أن حجّة غيتس تظل صالحة، حتى لو غاب عنها السبب الجزئي الذي دفعه لذلك، وهو خفض إدارة ترامب المساعدات الإنسانية الخارجية، وخاصة مكافحة الأمراض المعدية، بالإضافة إلى تعيين شخص معادٍ لتوزيع اللقاحات وزيراً للصحة والخدمات الإنسانية.
ولا شك أن الغازات الدفيئة الناتجة عن أنشطة ما يزيد على 8 مليارات شخص تغيّر مناخ الأرض، أما مدى هذا التغيير، وسرعته، ومدة تأثيره، ونتائجه (بعضها قد يكون مفيداً، مثل زيادة الغطاء النباتي) فهي أمور غير معروفة.
ويقول الكاتب إنه ليس من الحكمة ولا من الأمانة التضحية بالضعفاء على مذابح أقامها الأغنياء، مضيفاً إلى أن غيتس أشار، دون ذكر اسم الدولة، إلى دولة منخفضة الدخل قامت حكومتها، وهي تندفع وراء موجة خفض الانبعاثات التي تقودها الدول المتقدمة، بحظر الأسمدة الصناعية، وقال غيتس إن ذلك أدى إلى "تراجع محاصيل المزارعين بشكل كبير، وتراجع توافر الغذاء، وارتفاع الأسعار بشدة".
ويلفت الكاتب إلى أن التقدم في كافة المجالات يعتمد على صحة أفضل ونمو اقتصادي مستدام، ونظراً لمشاركة غيتس البارزة في الاستجابة بشأن تأثير الإنسان على بيئته، فإن إعادة تفكير غيتس تُعد أمراً جديراً بالإعجاب، فقد قدم لنا مثالاً نادراً في عصر المثقفين المغرمين بالأيديولوجيات، كما قدم لنا مثالاً على المسؤولية الفكرية، وربما يدفع هذا النقاش بشأن المناخ، بعيداً عن المبالغة في أهداف خيالية مثل "صافي صفر" انبعاثات غازية، إلى تبني منهجية أكثر نفعاً، وتحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد ممكن من الناس.
ويختتم الكاتب جورج إف ويل مقاله مشيراً إلى أنه إذا تحقق ذلك، فسيكون غيتس قد ساهم في إنقاذ ملايين الأرواح على أرض الواقع، خاصة الشباب، بدلاً من مليارات الأرواح الافتراضيين التي يُفترض أنها معرضة للخطر بسبب ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار 2 أو 3 درجات مئوية (مقارنة بمستوى ما قبل الصناعة) بحلول عام 2100، لا سيما وأن تقديرات تشير إلى أن هذا الاحترار قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 2 في المئة للناتج المحلي الإجمالي العالمي المتوقع في 2100، وهذه الخسارة في الثروة إن كانت ليست بالهينة، إلا أنها لا تشكل تهديداً "وجودياً" للبشرية.

