فى جلسة صفاء بين مسؤول بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وأحد المقربين من الرئيس السادات، قال رجل الاستخبارات: «نعم لقد وقفنا ضد مصر فى حرب اليمن والتى امتدت لخمس سنوات بدأت من العام ١٩٦٢. والمسألة لا تتعلق بانحيازاتنا فى الشرق الأوسط بقدر ما تتعلق ببعد آخر. وهو القدرة على نقل وتحريك الجيوش وخوض الحروب فى بلدان أخرى وعلى مسافات بعيدة، فهى مسألة ليست سهلة بالمرة، وتكاد تكون الولايات المتحدة هى الوحيدة والمتفردة بالقدرة على هذا النمط من تفكيك الوحدات ونقل الجيوش وخوص الحروب خارج أراضيها. الأمر ينطوى على صنعة متكاملة ونسق مستقل بذاته له ضوابط إدارية وإنسانية وعسكرية ولوجستية متشابكة، ولم ترغب واشنطن أن تكون هناك أى دولة فى العالم لديها القدرة على إتيان ذات الفعل، أو مراكمة خبرة فيه، لذا حرصنا من طرف خفى ألا تنجح تجربة مصر فى اليمن، خاصة أن مصر تمكنت من الحرب خمس سنوات بالفعل وقد نقلت قرابة ثلث جيشها إلى هناك!».
تذكرت هذه الواقعة، والتى نقلها لى مسؤول مصرى كانت بينه وبين رجل الرئيس السادات المشار إليه فى أول المقال علاقات وطيدة، حين ثار الجدل حول مولد السيد أحمد البدوى رضى الله عنه وأرضاه.
وقد تتساءل، ولك الحق، وما علاقة السيد البدوى بكل هذا؟
أقول لك إن مئات الألوف من الزوار، والذين تراوحت تقديراتهم بين مليون وثلاثة ملايين شخص، يتدفقون إلى طنطا فى كل وقت من هذا العام بصورة عفوية تلقائية دون دعاية من جهة ودون يافطات إعلانية عملاقة ودون إلحاح سياسى أو ملاحقة إعلامية للحث على الذهاب.
ويتوفر لهذا العدد الضخم ما يكفيه من وسائل النقل، وتتاح لهم المأكولات والمشروبات والتأمين، والرعاية الصحية فى المشافى والصيدليات وخلافه.
ومن الطريف أن ريتشارد دونى عنصر الاستخبارات الأمريكية الذى صار سفيرا للولايات المتحدة فى القاهرة من ٢٠٠٥ وحتى ٢٠٠٨، داوم على حضور مولد السيد البدوى لثلاث سنوات متصلة، فى سياق ما تطايرت به التحليلات آنذاك عن دراسة الولايات المتحدة للتصوف ونزعته المسالمة فى مقابل التطرف القاعدى آنذاك.
لكن بدا أن الرجل الذى انغمس فى الموالد والحضرات، وذهب أكثر من مرة لرحاب شيخ العرب.. كان يبحث عما هو أكبر وأعقد، فقد كان مسؤولا عن التواصل مع الإخوان المسلمين منذ الثمانينات وحتى وقت قريب، وأنيط به ملف مصر والإسلام بشقيه السياسى والثقافى. فكانت نقطة تمركزه ودراسته للحشود فى مصر، ومعتقداتها، هى مولد السيد البدوى!
يتكرر المولد كل عام منذ قرون، دون أن تنعقد المؤتمرات الصحفية من المسؤولين من عدة جهات لتشرح كيف تمت إدارة هذا الحدث الضخم الذى اتسع لكل هؤلاء البشر، بينما تتباهى دول بفعاليات تقام بأقل من عُشر هذا العدد وبعد إلحاح إعلانى هائل وبإمكانات جبارة وباستعانة موسعة بالتكنولوجيا الحديثة.
ومن ثم فإن مولد السيد البدوى الذى يجرى كل عام بهذه السلاسة، يخفى وراءه صنعة كاملة، صنعة دولة تدير حدثا مليونيا.. بكل سلاسة وبساطة، وبإمساك بمفاتيح مدينة طنطا الرئيسية، من طرق مؤدية للمسجد، لتجار لأصحاب مطاعم لخطوط نقل ومواصلات ومحطات وقود وشقق للإيجار وأماكن للإقامة، ويهندسون كل شىء بتخطيط مسبق، وبإدراك عميق للواقع المصرى.
والفكرة، أؤكد، ليست فى وفرة الزائرين والقدرة على إدارة الحشود وتأمينها ضد متطرفين أو لصوص أو احتمالات فوضى. بل فى هذا الطقس الذى تستبطنه مصر ويمثل جانبا عميقا من نسيجها الثقافى الذى تمارسه بعادية وبهجة.
فجزء من قوة الثقافة هو وجود ملامح راسخة تتناقلها الأجيال وتتمكن من إدراكها ومعاودتها بكل أريحية وبتناغم، وهو ما يحدث فى مصر منذ آلاف السنين، حيث تتضافر بعض الملامح الفرعونية والقبطية والإسلامية وتنطمر تحت طبقات الوعى الجمعى لنا كشعب، لا تنال منها الحداثة ولا الأفكار الوافدة التى ترى فى تسفيهك والنيل منك جسرا لها.
والموالد جزء من الثقافة الشعبية المصرية التى ارتأت فى الاحتفال بالصالحين مناسبة توائم مزاجها وميولها الروحية، ومساحة لبث شكواها والجأر بمحبتها والذوبان فى النقطة الواصلة بين الأرض والسماء.
بعد آخر يتعلق بالسيد البدوى ذاته، وبشخصه ذائع الصيت وبمحبته المتمكنة من قلوب المصريين جيلا بعد جيل، ومن الهيمنة والحظوة التى يحتلها فى قلب من يحكم مصر!
فمنذ الظاهر بيبرس البندقدارى وحتى محمد على وأبنائه ووصولا للرئيس السادات، كانت زيارة السيد البدوى طقسا ثابتا، والعناية بمسجده ملمحا متكررا، وبمثابة تعهد خفى يكنه من يحكم هذه البلاد، بالمودة مع هذا الولى الصالح الذى يستبطن الوجدان الشعبى له كرامات ذات طابع خاص، فيها الغلبة والنصر والظفر.
ولست هنا لأدافع عن الكرامة، وأنا من معتقديها، بل لأورد واقعا كما هو فى قلوب ملايين المصريين، ظل نابضا منقولا رغم التشويش والتشغيب والمليارات التى أنفقت والمطبوعات التى وزعت والفضائيات التى كرست لتنفير شعب وادى النيل مما درج عليه أسلافه، ومما انصهرت فيه سبيكة وجدانه. فهو سواء أعجبك أو لا.. أعجبنى أو لا.. أمر واقع قائم.
ليس من الناحية الاعتقادية أو الفلكلورية فحسب، بل أيضا فى الحشود ذات الإرث الثقافى العميق، والتى تتناغم وتتواءم، فى الحرب بعيدا، أو فى الكرنفال هنا.
أحمد الدريني- المصري اليوم
كانت هذه تفاصيل خبر السيد البدوى والمخابرات الأمريكية! لهذا اليوم نرجوا بأن نكون قد وفقنا بإعطائك التفاصيل والمعلومات الكاملة ولمتابعة جميع أخبارنا يمكنك الإشتراك في نظام التنبيهات او في احد أنظمتنا المختلفة لتزويدك بكل ما هو جديد.
كما تَجْدَرُ الأشاراة بأن الخبر الأصلي قد تم نشرة ومتواجد على كوش نيوز وقد قام فريق التحرير في الخليج 365 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر من مصدره الاساسي.