صحة ورشاقة

أيهما أفضل لأطفالنا.. الوفرة المادية أم الحضور العاطفي للآباء؟ وما تأثير كل منهما؟

  • أيهما أفضل لأطفالنا.. الوفرة المادية أم الحضور العاطفي للآباء؟ وما تأثير كل منهما؟ 1/6
  • أيهما أفضل لأطفالنا.. الوفرة المادية أم الحضور العاطفي للآباء؟ وما تأثير كل منهما؟ 2/6
  • أيهما أفضل لأطفالنا.. الوفرة المادية أم الحضور العاطفي للآباء؟ وما تأثير كل منهما؟ 3/6
  • أيهما أفضل لأطفالنا.. الوفرة المادية أم الحضور العاطفي للآباء؟ وما تأثير كل منهما؟ 4/6
  • أيهما أفضل لأطفالنا.. الوفرة المادية أم الحضور العاطفي للآباء؟ وما تأثير كل منهما؟ 5/6
  • أيهما أفضل لأطفالنا.. الوفرة المادية أم الحضور العاطفي للآباء؟ وما تأثير كل منهما؟ 6/6

كتبت: ياسمين عمرو في الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 08:13 صباحاً - مشهد يتكرر في بيوت كثيرة؛ يجلس الطفل الصغير بغرفة الجلوس، وعيناه مثبتتان على الباب؛ ينتظر لحظة سماع المفتاح يدور في القفل، الساعة تجاوزت موعد نومه بكثير، لكن قلبه يرفض الاستسلام للنوم قبل أن يرى والده العائد من العمل.
يدخل الأب أخيراً، متعباً، محمّلاً بحقائب العمل، وأثقال اليوم الطويل، يبتسم ابتسامة سريعة، يربت على رأس ابنه، ويجري إلى غرفته ليستعد ليوم عمل جديد، بعدها يدخل الطفل متثاقلاً لغرفته وهو يهمس في داخله: "غداً قد أجلس معه أكثر"، والغد يتكرر، ولكن يظل الحلم مؤجلاً.
هذه الصورة تتكرر في بيوت كثيرة -بشكل ما- حيث ينشغل الأب أو الأم -العائل المادي- بالسعي وراء الرزق وتلبية الاحتياجات، متغافليْن الحضور العاطفي الذي يحتاجه الطفل أكثر من أي لعبة أو هدية. هنا تلوح عدة أسئلة: ماذا يحدث عندما يكبر الطفل في ظل هذا الغياب العاطفي؟ وما الذي يمكن أن تفعله الأسرة لتهيئة التوازن بين الوفرة المادية والحضور العائلي الدافئ؟ وهل الغياب المبرر بالعمل أفضل من الحضور العاطفي؟ يجيب عن تلك الأسئلة الدكتور محسن أحمد الحسيني؛ أستاذ الطب النفسي.

اعلمي: الوفرة المادية لا تتساوى مع الحضور العاطفي

طفلة سعيدة وسط والديها

يظن بعض الآباء والأمهات أن تلبية احتياجات الطفل المادية تكفي لبناء شخصية قوية وسعيدة، فيشتري الأب أغلى الألعاب، ويحرص على تنظيم حفلات فاخرة في أعياد الميلاد، بينما يترك التفاصيل الصغيرة ذات الأثر الأعمق، والتي تتمثل في: نظرة، اهتمام، عناق، جلسة عشاء مشتركة، أو حديث قصير قبل النوم.
الحقيقة: الطفل يحتاج إلى أن يشعر بأنه مرئي ومسموع، وأبوين يمنحانه العاطفة، لا بيئة تمنحه الحاجات وتفقده الأمان الداخلي، ومع مرور الوقت يترسخ لديه شعور بأن الحب مرتبط بما يحصل عليه من هدايا، لا بما يتلقاه من حضور ومشاركة وجدانية.

انتبهي: الغياب الطويل يترك بصمات صامتة

طفل حزين يشعر بالوحدة

عمل الآباء لساعات طويلة ليس مجرد غياب جسدي عن المنزل، بل هو أيضاً غياب عن محطات عمرية للطفل لا تعوض؛ الطفل الذي لا يجد والده أو والدته في لحظات فرحه أو حزنه؛ قد يتعلم مبكراً أن يعتمد على نفسه عاطفياً، لكن بثمن باهظ، فشعوره المستمر بالوحدة يضعف قدرته على التعبير عن مشاعره، وربما صعوبة في بناء الثقة لاحقاً.
الحقيقة: قد يبدو الطفل ناجحاً في دراسته أو ملتزماً بقواعد البيت، لكنّ وراء هذا الانضباط الظاهري فراغاً داخلياً يبحث عن الامتلاء، وفي مرحلة المراهقة يظهر هذا الفراغ على شكل تحدٍّ أو تمرد، أو حتى بحث عن الاهتمام في أماكن خاطئة.

هل تعلمين أن التعويض بالهدايا.. فرح لحظي؟

طفل سعيد فخور بمكافأة والده

كثير من الآباء، بدافع الحب أو الذنب، يلجأون إلى الهدايا كوسيلة لتعويض غيابهم؛ "لم أستطع حضور الحفل المدرسي، سأشتري له هاتفاً جديداً"، "فاتني عيد ميلادها، سأهديها فستاناً فاخراً"، هذه الهدايا قد تُفرح الطفل لحظياً، لكنها ترسخ في داخله رسالة بأن الحب يُقاس بما يُعطى من أشياء.
الحقيقة: مع مرور السنوات، قد ينمو الطفل وهو يربط مشاعر التقدير أو القرب بالهدايا المادية، فيُصبح من الصعب عليه فهم قيمة العلاقات المبنية على العاطفة والاهتمام، وهنا يكمن الخطر؛ أن تتحول العائلة من أوقات للتواصل الإنساني إلى علاقة تدعم بتبادل المكافآت والسلع.

الخليج 365: اللمسات الصغيرة أقوى من ساعات الغياب

طفلة تحتضن والدها

لحظات قصيرة وثابتة، يمكن أن تعوض كثيراً من ساعات الغياب، ليس المطلوب من الأب أو الأم أن يتوقفا عن العمل، أو أن يمضيا اليوم كله مع الأبناء، فهذا غير واقعي.
  • حديث قبل النوم: خمس دقائق من الإصغاء لما يقوله الطفل؛ قد تعني له عالماً من الاهتمام.
  • وجبة مشتركة: الإفطار أو العشاء العائلي فرصة لمشاركة تفاصيل اليوم وتبادل الضحكات.
  • رسالة قصيرة أو ورقة في الحقيبة: كلمات بسيطة؛ مثل: "أنا فخور بك" تبقى في الذاكرة أطول من لعبة غالية الثمن.
  • اتصال سريع من العمل، أو سؤال عن الامتحان، أو نشاط المدرسة، يمنح الطفل شعوراً بأن والده -أو والدته- حاضر رغم البُعد.
هذه الطقوس مهما بدت صغيرة؛ تُشعر الطفل بأنه أولوية في حياة والديه، وأن غيابهما الجسدي لا يعني غيابهما العاطفي.

دعم الأب.. الأمهات لا يستطعن حمل العاطفة وحدهن

في كثير من البيوت العربية، يُنظر إلى الأب على أنه المُعيل الأساسي، بينما تُلقى على الأم مسؤولية التربية العاطفية اليومية؛ فنجدها هي التي تستمع، وتتابع الدراسة، وتخفف الأزمات، بينما يعود الأب مرهقاً بعد ساعات طويلة من العمل.
الحقيقة: هذا التوزيع غير المتوازن يرهق الأمهات، ويتركهن في حالة من الضغط المستمر، ومع مرور الوقت؛ قد تشعر الأم أنها وحيدة في معركة التربية، بينما يُفقد الأب فرصة بناء علاقة عاطفية قوية مع أبنائه. والمطلوب هنا دعوة إلى مشاركة أوسع؛ أن يعي الأب أن الحضور العاطفي مسؤولية مشتركة، لا يمكن تفويضها بالكامل للأم.

خطوات للمعادلة بين المال والوقت

الأطفال لا يتذكرون أثمان الهدايا، بقدر ما يتذكرون المواقف، يسألون أنفسهم عندما يكبرون: من كان بجانبي حين مرضت؟ من حضر حفلة تخرجي؟ من استمع إليَّ حين كنت خائفاً أو سعيداً؟
الحقيقة: المال ضروري لتأمين البيت والتعليم والاحتياجات، لكن الوقت العاطفي هو الذي يبني الثقة والذكريات، لا أحد يطلب من الآباء أن يشعروا بالذنب، بل أن يدركوا أن بضع دقائق يومية؛ قد تترك أثراً يفوق ساعات من العمل.
خطوات متوازنة وعملية للآباء والأمهات المنشغلين
  • خصّصوا وقتاً ثابتاً أسبوعياً للجلوس مع الأبناء، ولو نصف ساعة، استغلوا التكنولوجيا لصالحكم؛ مكالمة فيديو، أو تسجيل صوتي قصير؛ قد يمنحان الطفل فرحة كبيرة.
  • دعوا الأطفال يشاركونكم تفاصيل عملكم بلغة مبسطة، ليشعروا أنهم جزء من عالمكم، ولا تخافوا من التعبير بالكلمات: "أحبك"، "أفتقدك"، فهي عبارات لا تُشترى ولا تُعوّض.
  • الآباء والأمهات يعملون بجدّ بدافع الحب والرغبة في تأمين حياة كريمة لأبنائهم، لكن وسط هذا السعي؛ قد تضيع التفاصيل الصغيرة التي تصنع المعنى الحقيقي للعائلة.
  • ليس المطلوب أن يتوقف العمل، ولا أن نحمّل أنفسنا شعوراً دائماً بالذنب، المطلوب أن نزرع لحظات من الدفء والاهتمام وسط زحام الأيام، لحظات تُذكّر الطفل بأن والديه موجودان من أجله، حاضران في قلبه، قبل أن يكونا في محفظته.
  • الذكريات التي تبقى في النهاية ليست الألعاب ولا الثياب، بل تلك اللمسات الإنسانية البسيطة؛ ضحكة مشتركة، قصة قبل النوم، يد حانية تُربّت على الكتف، هذه هي الثروة الحقيقية التي تُبنى بها شخصية واثقة وقلب مطمئن.
Advertisements

قد تقرأ أيضا