ابوظبي - سيف اليزيد - شعبان بلال (القاهرة)
تتجاوز الحرب الأهلية في السودان ميدان القتال بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، إلى ما هو أعمق وأخطر، إذ كشفت تحليلات دولية حديثة أن الصراع بات غطاءً لمعادلة نفوذ يديرها تنظيم «الإخوان» الإرهابي من داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
وبحسب تقييمات صادرة عن معهد الشرق الأوسط للأبحاث والإعلام، فإن تنظيم «الإخوان» نجح على مدى عقود عدة في بناء كتلة صلبة داخل القوات المسلحة السودانية، مستغلاً موقعها الحساس للتمدد نحو منطقة شمال شرق أفريقيا والبحر الأحمر.
وأوضح محللون تحدثوا لـ«الاتحاد»، أن خطر تغلغل «الإخوان» في السودان لم يعد مقصوراً على الدوائر العسكرية، بل امتد إلى مؤسسات مدنية مؤثرة، مما يجعل قدرة القوات المسلحة السودانية على اتخاذ قرارات مستقلة محدودة، في ظل اعتمادها على الدعم السياسي والمالي والعقائدي الذي يوفره التنظيم الإخواني، إضافة إلى اعتمادها على ميليشيات موالية للتنظيم، من بينها كتائب «البراء بن مالك»، المتورطة في انتهاكات واسعة ضد المدنيين، وهو ما يعمّق حضور التنظيم الإخواني في مشهد الحرب الأهلية.
وشدد الباحث القانوني السوداني، المعز حضرة، على أن تنظيم «الإخوان» بمسمياته المختلفة، بما فيها ما يُعرف بـ «الحركة الإسلامية العريضة»، تقف بشكل مباشر وراء رفض أي مبادرة تفاوضية منذ محادثات السلام الأولى التي جرت في مدنية جدة السعودية، مروراً بمبادرة «الرباعية الدولية» ومباحثات المنامة ومبادرة دول جوار السودان التي طرحتها مصر.
وأوضح حضرة في تصريح لـ«الاتحاد»، أن موقف «الإخوان» الرافض للتفاوض ليس ظرفياً، بل مبدئياً، لأنهم يدركون أن أي عملية سلام ستقصيهم من المشهد السياسي، مما يدفعهم لاعتبار الحرب مساراً أحادياً بلا عودة، مشيراً إلى أن التنظيم لا يبدي أي التزام بوحدة السودان أو مستقبله، مستشهداً بسوابق تاريخية تتعلق بانفصال الجنوب والنزاعات في دارفور، إضافة إلى طرح ما يُعرف بـ«مثلث حمدي» الذي يحصر نفوذهم في الشمال.
وأشار إلى أن عناصر «الإخوان» يمثلون العقبة الأكبر أمام أي تسوية، إذ يمسكون بالقوة الصلبة داخل القوات المسلحة السودانية، وذلك بعد ثلاثة عقود من بناء كتلة منظمة ونافذة في قلب المؤسسة العسكرية، بما يشمل كتائب منتشرة في مواقع مختلفة، منوهاً بأن استمرار وجود هذا التيار داخل القوات المسلحة يجعل أي مبادرة، سواء من الرباعية أو من دول الجوار أو عبر المسارات الأممية، غير قابلة للنجاح.
وذكر الباحث القانوني السوداني أن إبعاد شبكات «الإخوان» من قلب المؤسسة العسكرية يمثل شرطاً أساسياً لتحقيق السلام، مؤكداً أن التوجه الأميركي نحو تصنيف «الإخوان» منظمة إرهابية قد يكون المسار الوحيد لإجبار «سلطة بورتسودان» على اتخاذ قرار واضح بشأن نفوذ «الإخوان» وإفساح الطريق أمام عملية تفاوضية حقيقية.
من جهتها، قالت المحللة السياسية الأميركية، إيرينا تسوكرمان، إن القراءات الميدانية والسياسية للحرب في السودان تُظهر أن تياراً واسعاً من عناصر «الإخوان» داخل القوات المسلحة السودانية بات اللاعب الأكثر تأثيراً في توجيه قرارات القيادة العليا، وهذا النفوذ المتراكم منذ سنوات داخل البنية العسكرية يدفع نحو استمرار القتال ورفض أي مقترح لوقف الحرب، باعتبار أن التهدئة تفتح الباب أمام مسارات سياسية ومحاسبية تهدد شبكاتهم الداخلية ومواقعهم داخل مؤسسة الحكم.
وأضافت تسوكرمان في تصريح لـ«الاتحاد»: أن التيار الإخواني يستغل حاجة القوات المسلحة السودانية إلى الحفاظ على تماسكها في لحظة صراع وجودي، ويدفع باتجاه تصعيد عمليات ميدانية واسعة رغم الكلفة الإنسانية المرتفعة، وتستند هذه المقاربة إلى قناعة متجذرة لدى «الإخوان» بأن أي مفاوضات أو ترتيبات انتقالية ستقوّض نفوذهم المتغلغل في الوحدات العسكرية، لذلك يعملون على تعطيل الضغوط الدولية وبناء سردية تبرر رفض المبادرات الخارجية بذريعة حماية السيادة.
وأشارت إلى أن هذا التأثير المباشر يفسر إصرار القوات المسلحة السودانية على مواصلة العمليات الجوية والقصف داخل المدن، واعتبار أي وقف للقتال بمثابة خسارة استراتيجية، إضافة إلى أن تغلغل «الإخوان» يعزز ميل المؤسسة العسكرية إلى إقصاء الأصوات المعتدلة داخلها، ويحوّل الحرب إلى وسيلة لحماية شبكات المصالح أكثر منها معركة عسكرية خالصة.
