الرياص - اسماء السيد - في جولة اليوم من الصحف العالمية، تتوقف صحيفة واشنطن بوست عند صعود نجم السياسي الأميركي زهران ممداني، الذي يوشك أن يصبح عمدة نيويورك الجديد بحسب الاستطلاعات، معتبرة أن هذا الصعود يحمل رسالة تحذير للديمقراطيين التقليديين في الولايات المتحدة، كما يعكس موجة عالمية من التململ الشعبي تجاه السياسات الاقتصادية القديمة، وهي موجة لا تنفصل عن المزاج العام في العديد من دول العالم، بما فيها المنطقة العربية.
تناولت صحيفة واشنطن بوست في افتتاحيتها صعود السياسي التقدّمي زهران ممداني، المرشح الأوفر حظاً لتولي رئاسة بلدية نيويورك، معتبرة أن نجاحه يمثل "تحذيراً صريحاً" للديمقراطيين الوسطيين ولأنصار السوق الحر في الولايات المتحدة.
تصف الصحيفة ممداني، المولود في أوغندا والمقيم في نيويورك والذي يستعد ليصبح العمدة رقم 111 للمدينة، بأنه من أكثر الشخصيات صاحبة التوجهات السياسية "الجذرية" في الحزب الديمقراطي، إذ يدعو إلى ضرائب أعلى لتمويل خدمات عامة مجانية كالنقل ورعاية الأطفال، إضافة إلى توسيع دور الدولة في الإسكان. ورغم اعتذاره عن بعض مواقفه السابقة المثيرة للجدل تجاه شرطة نيويورك وإسرائيل، إلا أن المقال يرى أنه لم يتراجع فعلياً عن أفكاره الجوهرية.
تُبرز الصحيفة التناقض بين شعبية ممداني الكبيرة وبين شكوك الناخبين في كفاءته الإدارية، حيث يرى 47٪ من سكان نيويورك أنه غير مؤهل للمنصب لإدارة مدينة بحجم نيويورك ذات ميزانية تفوق 116 مليار دولار و300 ألف موظف، ومع ذلك يتقدّم في استطلاعات الرأي بفارق كبير عن منافسيه، ومنهم الحاكم السابق أندرو كومو الذي يخوض الانتخابات كمستقل. وتشير الافتتاحية إلى أن جزءاً من جاذبية ممداني يعود إلى قدرته على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، في وقت تآكلت فيه ثقة الجمهور بالمؤسسة السياسية التقليدية بعد فضائح الفساد التي طالت عمدة المدينة الحالي إريك آدامز.
وتلفت واشنطن بوست إلى أن تجربة ممداني العملية محدودة، إذ لم يشغل سوى وظيفة واحدة قصيرة في منظمة غير ربحية قبل دخوله معترك السياسة. ومع ذلك، استطاع عبر التواصل الفعّال على وسائل التواصل الاجتماعي وحضوره الكاريزمي أن يتفوّق على منافسيه في استطلاعات الرأي.
كما تشير الصحيفة إلى أن ممداني كان من أشد المنتقدين لشرطة نيويورك، إذ وصفها سابقاً بأنها "عنصرية ومعادية للمثليين وتشكل تهديداً للسلامة العامة"، قبل أن يتراجع جزئيا عن تصريحاته ويقدم اعتذاراً، معلنا أنه سيُبقي على مفوض الشرطة الحالي إذا فاز بالمنصب. كذلك، انتُقدت تصريحاته السابقة حول إسرائيل واليهود، التي وصفها لاحقاً بأنها "غير مسؤولة"، لكنه بقي متمسكا بموقفه المؤيد للفلسطينيين.
وتوضح الصحيفة أن هذا الصعود لا يمكن فصله عن سقوط المؤسسة الديمقراطية التقليدية: فالحاكم السابق أندرو كومو أُجبر على الاستقالة بسبب قضايا تحرش، والعمدة الحالي إريك آدامز انسحب بعد فضائح فساد. في المقابل، يقدم ممداني نفسه كـ"صوت جيل جديد" يعبر عن غضب الشباب من غلاء المعيشة واتساع الفجوة الطبقية.
وترى الصحيفة أن تأثير ممداني يتجاوز نيويورك، إذ انضم مؤخراً إلى بيرني ساندرز وألكسندريا أوكاسيو-كورتيز في تجمع جماهيري كبير دعا إلى فرض ضرائب على الأثرياء وتوسيع دور الحكومة في الاقتصاد، وهو ما اعتبرته واشنطن بوست مؤشراً على أن الجناح التقدّمي داخل الحزب الديمقراطي يزداد نفوذاً.
في ختام المقال، تحذر الصحيفة من أن فشل أنصار السوق الحر في تقديم بدائل مقنعة يفسّر صعود التيار الاشتراكي الجديد. وترى أن نجاح ممداني يجب أن يكون "جرس إنذار" للديمقراطيين المعتدلين، لأن رفض الاشتراكية لا يكفي وحده، بل يجب إقناع الناس بأن الحرية الاقتصادية هي ما يحسن حياتهم فعلاً، وأن تدخل الدولة المفرط غالباً ما يكون سبباً في الإخفاقات. وتختم بدعوة ممداني إلى اعتماد نهج تدريجي وتجريب أفكاره على نطاق محدود قبل تطبيقها على مدينة بحجم نيويورك.
الغرب خسر "فن اللعب القذر" أمام موسكو في حرب المعلومات
في مقاله بصحيفة الغارديان، يطرح المؤرخ جوزيف بيرسون رؤية نقدية لاذعة عن أداء الغرب في مواجهة روسيا في "حرب المعلومات"، معتبراً أن موسكو باتت تتقن الأساليب التي كانت في الماضي حكراً على الغرب نفسه. فبينما تفخر الديمقراطيات الغربية اليوم بالشفافية والالتزام بالقواعد، يرى بيرسون أن هذا "الالتزام الأخلاقي" تحوّل إلى نقطة ضعف استراتيجية تستغلها روسيا بمهارة.
يبدأ الكاتب من حدث تاريخي محوري، الجسر الجوي إلى برلين عام 1948، الذي ما زال يُدرس في المناهج المدرسية كرمز لانتصار إنساني في وجه حصار سوفييتي خانق. إلا أن بيرسون يكشف، استناداً إلى وثائق من الأرشيف الوطني البريطاني، أن الحصار لم يكن مطلقاً كما رُوج، وأن "الكتلة الغربية" وظّفت القصة دعائياً لتصوير نفسها كمنقذ للمدنيين من الجوع، بينما كانت الحركة داخل برلين وخارجها ممكنة جزئياً طوال الوقت.
بحسب الكاتب، كانت تلك "الأسطورة الإنسانية" واحدة من أنجح حملات البروباغندا الغربية خلال الحرب الباردة، إذ ساهمت في رفع شعبية الرئيس الأمريكي هاري ترومان وأمنت له إعادة انتخابه عام 1948. كانت القصة قوية بما يكفي لتوحيد الرأي العام الأمريكي والبريطاني حول مواجهة موسكو، حتى وإن كانت مبنية على تضخيم إعلامي متعمّد.
ومن هنا يطرح بيرسون سؤاله الجوهري: هل كان الكذب مبررا؟
يجيب بأن ما فعله الغرب حينها كان خاطئاً أخلاقياً، لكنه فعال سياسياً، إذ أكسبه الدعم الشعبي والحافز المعنوي اللازم لمواجهة ستالين. أما اليوم، فقد تخلت أوروبا وأمريكا عن هذه "الأدوات الرمادية" لصالح الشفافية، بينما تمضي روسيا في توظيف الأكاذيب، القرصنة الإلكترونية، التزييف العميق، وحملات التشويه لخلق واقع إعلامي بديل يضعف ثقة الشعوب الغربية بديمقراطياتها، بحسب الكاتب.
ويحذر من أن الغرب إذا لم يستعد أدواته القديمة، من الدبلوماسية الثقافية إلى الحملات المعلوماتية الاستباقية، فإنه يخاطر بترك الساحة لروسيا كي "تفوز بالحرب الرمادية"، لا فقط في أوروبا بل في عقول شعوب الجنوب العالمي أيضاً، على حد تعبيره.
لماذا يعد "سلم الوظائف" مسألة حيوية للمهاجرين؟
في تحليل نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، تناقش الكاتبة سارة كونور التحديات التي تواجه المهاجرين في بريطانيا في رحلتهم المهنية، وتركز على تجربة القادمين من هونغ كونغ الذين انتقلوا إلى المملكة المتحدة منذ فتح "مسار التأشيرة الخاصة بحاملي الجنسية البريطانية في الخارج" عام 2021.
تطرح الكاتبة سؤالاً مركزياً، هل يستطيع المهاجرون، رغم مؤهلاتهم العالية، أن يتقدموا في مسارهم المهني داخل سوق العمل البريطاني، أم أنهم عالقون في أسفل سلم الوظائف؟
منذ بدء البرنامج، وصل إلى بريطانيا أكثر من 150 ألف شخص من حاملي وضع " BNO أي مواطن بريطاني (من خارج المملكة المتحدة)، معظمهم من فئة المتعلمين وأصحاب الخبرات العالية في مجالات الإعلام والمال والإدارة.
إلا أن الواقع مختلف تماماً عما توقعه كثيرون منهم. فوفقا لتقارير بحثية صادرة عن مركز الأبحاث البريطاني "British Future"، تبين أن نسبة كبيرة من هؤلاء المهاجرين الحاصلين على شهادات جامعية ومناصب مهنية في هونغ كونغ يعملون اليوم في وظائف بسيطة ومنخفضة الأجر، مثل نادلين في المقاهي، أو عمال مستودعات، أو حراس أمن، أو طهاة، بعد أن كانوا سابقاً محاسبين، أو موظفين حكوميين، أو مديري حسابات في شركات تأمين.
تُشير الكاتبة إلى أن هذا النمط ليس جديداً، فغالبية المهاجرين يبدأون في وظائف منخفضة الأجر بسبب حاجتهم السريعة إلى الدخل، أو نتيجة عوائق اللغة وعدم الاعتراف بشهاداتهم المهنية، لكن السؤال الحقيقي هو: هل ينجح هؤلاء في الصعود تدريجياً نحو وظائف أفضل بمرور الوقت؟
للإجابة، تستعرض الصحيفة دراسة موسعة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، تابعت أوضاع المهاجرين في 15 دولة متقدمة منذ مطلع الألفية وحتى عام 2015.
كشفت النتائج أن المهاجرين الجدد عادة ما يدخلون سوق العمل في قطاعات منخفضة الأجر مثل الصناعة أو الخدمات أو التجزئة، وأنهم يتقاضون في البداية أجوراً تقل بنسبة تتراوح بين 28٪ و45٪ مقارنة بالمواطنين المحليين من الفئة العمرية ذاتها.
مع ذلك، تشير الدراسة إلى تحسن تدريجي خلال أول خمس سنوات، حيث تقل الفجوة في الأجور بنحو ثلثها، وبعد عشر سنوات تنخفض إلى النصف تقريباً، بفضل العمل لساعات أطول، وزيادة الأجور داخل الشركات، وانتقال البعض إلى مؤسسات أكبر وأفضل.
لكن المفاجأة أن معظم المهاجرين لم ينتقلوا فعلياً إلى مهن أعلى أجراً أو أعلى تصنيفاً وظيفياً، مما يعني أن "الفصل المهني" بين المهاجرين والمواطنين المحليين لا يزال قائماً. فحتى بعد مرور عقد من الزمان، يبقى كثيرون منهم في المهن ذاتها التي بدأوا بها، وإن كانت بأجور أفضل قليلاً.
مع ذلك، تكشف الصحيفة عن مؤشرات تفاؤل جديدة. فبيانات حديثة تظهر أن المهاجرين غير الأوروبيين الذين وصلوا إلى بريطانيا بين عامي 2021 و2023 يحققون تقدماً أسرع في الدخل والمسار المهني مقارنة بالموجات السابقة، خاصةً بفضل السياسات الحكومية الجديدة الداعمة للاندماج المهني واللغوي. كما بدأت مؤسسات بحثية في تتبع تجربة مهاجري هونغ كونغ بشكل خاص لمعرفة مدى نجاحهم في استعادة مكانتهم المهنية خلال السنوات القادمة.
وتنقل الكاتبة عن خبير الهجرة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جان-كريستوف دومون قوله إن الحل يبدأ بـ "الاستثمار في الإنسان في أقرب وقت ممكن، وعدم الانتظار لخمس أو عشر سنوات"، داعياً الحكومات إلى الإسراع في معادلة المؤهلات الأجنبية وتوفير برامج لغة متقدمة تُمكن المهاجرين من العمل في مجالات تخصصهم الأصلية.
وتختم فايننشال تايمز تحليلها بالتأكيد على أن النقاش حول "وظائف المهاجرين" عند وصولهم لا يكفي وحده، فالقضية الأعمق هي ما إذا كانوا سيتمكنون من التقدم بعد ذلك. ترك المهاجرين عالقين في وظائف لا تليق بقدراتهم ليس فقط ظلماً إنسانياً لهم، بل خسارة اقتصادية للمجتمع كله، لأن إهدار الطاقات البشرية يعني تبديد فرصة للنمو والابتكار والإنتاجية.

