الرياص - اسماء السيد - لم يعتاد العالم على مشاهدة رئيس سوري يخطب من المنصة الرخامية للجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع الذي يحاول تكريس صورة جديدة له ولبلاده، كسر تقليد غياب زعماء بلاده عن التظاهرة الأممية.
حضر الشرع نهاية الشهر الماضي وأعاد إلى الأذهان حضور نور الدين الأتاسي آخر رؤساء سوريا قبل حقبة عائلة الأسد عام 1967 لاجتماعات الجمعية العامة، في محاولة لفتح صفحة جديدة بين بلاده والأسرة الدولية التي أبدت انفتاحاً على السلطات الانتقالية الجديدة.
يُنظر لخطاب الشرع على أنه باكورة مرحلة جديدة من الانفتاح السوري على العالم.
ترى بسمة المومني نائبة رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة واترلو في كندا في حديث مع بي بي سي، وجود "فرصة ذهبية لسوريا في عهد الشرع، لتحويل سمعتها العالمية من دولة تعاني من الصراع والاضطرابات إلى فرصة للاستثمار في تجددها وازدهارها، ولاستعادة سمعتها الريادية والإبداعية المزدهرة قبل الحرب".
الغياب.. تقليد رئاسي سوري
لم يسبق للعالم أن شاهد الرئيس حافظ الأسد الذي حكم سوريا لثلاثة عقود أو نجله بشار الذي حكم البلاد لعقدين ونصف على المنصة الخضراء في قاعة الجمعية العامة.
لكن الغياب لا يقتصر فقط على عائلة الأسد، فغاب رؤساء سوريون قبل خطاب نور الدين الأتاسي عام 1967 عن الخطاب السنوي الأممي.
يبرر الكاتب والباحث السياسي السوري بسام السليمان في تصريح لبي بي سي، الغياب، بمرور سوريا بحالة من اللا استقرار والمشاكل الداخلية والصدامات والصراعات والانقلابات منذ تأسيس الجمهورية.
"دولة جديدة"

وبعد كسر الشرع لغياب أصبح تقليداً رئاسياً، يذهب السليمان باتجاه وجود فرصة لإنشاء دولة سورية جديدة، وقال إن "المجتمع الدولي يدرك ذلك ويدرك أن سوريا أمام فرصة كبيرة لتبني ذاتها".
الشرع قال في الجمعية العامة إن بلاده "تعيد بناء نفسها" من خلال التأسيس لدولة جديدة "تكفل حقوق الجميع دون استثناء".
وكانت سوريا من بين 51 عضواً مؤسساً للأمم المتحدة.
يشير سينا آزودي الأستاذ المساعد في سياسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن عبر بي بي سي، إلى وجود شكوك تاريخية لدى دمشق تجاه الأمم المتحدة ازدادت بعد خسارة مرتفعات الجولان أمام إسرائيل في حرب الأيام الستة، ورأت أنها منحازة لإسرائيل وغير فعّالة في إنفاذ القرارات (مثل قرار مجلس الأمن رقم 242).
"ساهمت هذه الشكوك في تجنب القادة السوريين للأمم المتحدة"، وفق آزودي الذي ذكر أن دمشق اعتبرت المؤسسة الأممية أداة ضغط أمريكية تحولت لاحقاً إلى منصة لإدانة ممارسات حكم الأسد ضد المدنيين.
أما ألينا ليون رئيسة قسم العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة نيو هامبشاير في الولايات المتحدة، تقول لبي بي سي إن "سوريا كانت تُعد دولة منبوذة، مُنخرطة في أعمال عنف مُستمرة ضد شعبها. ولم تتعاون مع الأمم المتحدة في مناسبات عدة، بما في ذلك توزيع الإمدادات الإنسانية".
وتضيف ليون إن "الكثيرين داخل سوريا شككوا في قدرة الأمم المتحدة على معالجة القضايا المتعلقة ببلادهم والشرق الأوسط".
خطوة "رمزية للغاية"

يرى السليمان في حضور الشرع إلى نيويورك تقبلاً للمجتمع الدولي له، أما على الصعيد السوري فيمثل ذلك عودة سوريا الفعلية إلى المجتمع الدولي.
يعتقد آزودي أن حضور الشرع وهو مقاتل سابق في تنظيم القاعدة وخطابه يمثلان خطوة مهمة نحو إعادة تأهيل الحكومة السورية في المنظمات الدولية، وهي خطوة "رمزية للغاية".
ويضيف آزودي أن "الغرب يُهيئ نفسه أيضاً لقبول شرعية الحكومة السورية".
ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مشاركة الشرع في الجمعية العامة بأنها "مهمة للغاية لتعزيز الشرعية الدولية للحكومة السورية الجديدة".
أما ليون تتحدث عن تغييرات جذرية في العلاقة بين سوريا والأمم المتحدة، مضيفةً أن انتقال الشرع من كونه عضواً في منظمة مُصنّفة "إرهابية" إلى "رئيس دولة مُشارك في الأمم المتحدة أمرٌ مُلفت".
وبتحليل آزودي فإن الشرع حاول في خطابه تصوير السلطة السورية الجديدة كعضو ملتزم بالقانون في المجتمع الدولي، ومستعد لزيادة التعاون مع الأمم المتحدة.
العقوبات الأممية على سوريا
لا تخضع سوريا إلى عقوبات صادرة عن الأمم المتحدة، لكن هناك عقوبات مفروضة على تنظيمات وأشخاص موجودين في السلطة الانتقالية الحالية في سوريا، وفق حديث بيتر والينستين الأستاذ في قسم دراسات السلام والصراع في جامعة أوبسالا في السويد والمختص في عقوبات الأمم المتحدة لبي بي سي.
تُصنف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية وهي القوة المسيطرة في سوريا منذ سقوط حكم الرئيس بشار الأسد، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254.
أُدرجت هيئة تحرير الشام على قائمة الإرهاب في 2014، عندما خلصت لجنة مجلس الأمن المسؤولة عن الإشراف على العقوبات المتعلقة بتنظيمي "الدولة" و"القاعدة" والمرتبطين بهما، إلى أن الهيئة جماعة إرهابية لها روابط بتنظيم القاعدة.
وفي 2024، أعد فريق رصد الجزاءات التابع للجنة تقريراً قال فيه إن هيئة تحرير الشام هي الجماعة الإرهابية المهيمنة في شمال غرب سوريا.
وتخضع الهيئة لثلاثة تدابير للعقوبات: تجميد الأرصدة، الحظر على السفر، وحظر التسلح، مما يقتضي امتثال جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لتلك التدابير.
لاحقاً، حدث استثناء لتجميد الأرصدة قبل سقوط الأسد.

ولإزالة هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية، يجب أن تقدم إحدى الدول الأعضاء الطلب، ثم يُرسل الاقتراح إلى لجنة مجلس الأمن المعنية، ولابد أن يُتخذ القرار بالإجماع.
ليون توضح أن رفع العقوبات الأممية عملية متعددة المستويات، وتحتاج لإصدار مجلس الأمن قراراً يُنهي العقوبات المنصوص عليها في القرارات الأممية.
ويتطلب الأمر إجماعاً في المجلس، لكن الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا والصين نادرٌ جداً هذه الأيام، بحسب ليون.
وتعتقد ليون أن موافقة الولايات المتحدة على دخول الشرع إليها تُعدّ مؤشراً قوياً على احتمال وجود زخم يدفع باتجاه الرفع، كما أن رفع الأمم المتحدة للعقوبات، سيُحفز بقية الأطراف والجهات على ذلك.
أما الرئيس الشرع فهو مدرج منذ 2013 في قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، باسمه الحركي "أبو محمد الجولاني" لأنه "مرتبط بتنظيم القاعدة" وغيره من الأفراد أو الجماعات أو المؤسسات أو الكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
"مسألة وقت"
انبثقت هيئة تحرير الشام من جبهة النصرة، الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا، حتى قطعت علاقاتها معه في عام 2016.
ولا تزال هيئة تحرير الشام والشرع يخضعان لعقوبات الأمم المتحدة، لكنه حصل على إعفاء للسفر من أجل زيارة نيويورك في الفترة من 21 إلى 25 سبتمبر/أيلول.
وطالب الشرع من منصة الجمعية العامة برفع العقوبات بشكل كامل "حتى لا تكون أداة تكبيل الشعب السوري ومصادرة حريته من جديد".
يرى السليمان أن الشرع لم يعد يُنظر له على أنه شخص "إرهابي"، لأن المجتمع الدولي يرى أنه "استطاع المساهمة أو قيادة معركة تحرير بلاده من مستبد وظالم كبير".
ويعتقد السليمان أن رفع العقوبات "مسألة وقت" فقط.
وتقول المومني، إن رفع عقوبات الأمم المتحدة خطوة من بين خطوات عدة يجب اتخاذها لعودة سوريا إلى النظام الاقتصادي العالمي.
"بدون رفع العقوبات الدولية والمحلية، سيكون من الصعب للغاية على سوريا ممارسة التجارة وتلقي الاستثمارات وإجراء المعاملات التجارية الدولية"، بحسب المومني.
وتحدث والينستين عن فرصة لتطور إيجابي في سوريا، ويرى أن رفع العقوبات يشير إلى رغبة المجتمع الدولي في دعم المسار الذي تتخذه سوريا حالياً.